جبال أنوار السكينة واليقين الموجبة للوقار والطمأنينة والاستقرار (فِيها) أي : في تلك الجبال من برد الحقائق والمعارف الكشفية والمعاني الذوقية ، أو من جبال في السماء وهي معادن العلوم والكشوف وأنواعها ، فإنّ لكل علم وصنعة معدنا في الروح ثابتا فيه بحسب الفطرة ، يفيض منه ذلك العلم ، ولهذا يتأتى لبعضهم بعض العلوم بالسهولة دون بعض ، ويتأتى لبعضهم أكثرها ولا يتأتى لبعضهم شيء منها ، وكل ميسر لما خلق له ، أي : ينزل من سماء الروح من الجبال التي فيها برد المعارف والحقائق (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) من القوى الروحانية (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) من القوى النفسانية والنفوس المحجوبة.
(يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) أي : ضوء بوارق ذلك البرد ، وهو ما يقدّمه من الأنوار الملتمعة التي لا تلبث ولا تستقرّ بل تلمع وتخفى إلى أن تصير متمكنة تذهب بأبصار البصائر حيرة ودهشا ، وكلما زاد ازدادت تحيرا ، ولهذاقال عليهالسلام : «ربّ زدني تحيّرا» أي : علما ونورا (يُقَلِّبُ اللهُ) ليل ظلمة النفس ونهار نور الروح بأن يغلب تارة نور الروح فينوّر القلب والنفس ويعقبه أخرى ظلمة النفس بالظهور فتتكدّر وتكدّر القلب في التلوينات (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) يعتبر بها أولو الأبصار القلبية أو ذوو البصائر ، فيلتجؤون إلى الله في التلوينات وظلم النفس ، ويلوذون بجناب الحق ومعدن النور ، ويعبرون إلى مقام السر والروح ، فينكشف عنهم الحجاب.
[٤٥ ـ ٥١] (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١))
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) من أصناف دواب الدواعي التي تدبّ في أراضي النفوس وتبعثها إلى الأفعال (مِنْ ماءٍ) مخصوص ، أي : علم مناسب لتلك الداعية المتولدة منه. فإن منشأ كل داعية إدراك مخصوص.
(فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) ويزحف في الطبيعة ، ويحدث الأعمال البدنية الطبيعية (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) من الدواعي الإنسانية فيحدث الأعمال الإنسانية والكمالات العملية (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) من الدواعي الحيوانية فيبعث على الأعمال السبعية والبهيمية (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) من هذه الدواعي من منشأ قدرته الباهرة ، الكاملة في إنشاء