اعتقاده الفاسد وعمله الباطل من حميم الجهل وغساق الظلمة.
[٤٠ ـ ٤٢] (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢))
(أَوْ كَظُلُماتٍ) في بحر الهيولى اللجيّ العميق الغامر لجثة كل نفس جاهلة ، محجوبة بهيئات بدنية ، الغامس لكل ما يتعلق به من القوى النفسانية (يَغْشاهُ) موج الطبيعة الجسمانية (مِنْ فَوْقِهِ) موج النفس النباتية (مِنْ فَوْقِهِ) سحاب النفس الحيوانية وهيئاتها الظلمانية (ظُلُماتٌ) متراكمة (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ) المحجوب بها ، المنغمس ، المحبوس فيها (يَدَهُ) القوة العاقلة النظرية بالفكر (لَمْ يَكَدْ يَراها) لظلمتها وعمى بصيرة صاحبها وعدم اهتدائه إلى شيء ، وكيف يرى الأعمى الشيء الأسود في الليل البهيم؟.
(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) بإشراق أنوار الروح عليه من التأييد القدسيّ والمدد العقلي (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) ، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي) عالم سموات الأرواح بالتقديس وإظهار صفاته الجمالية ومن في عالم أراضي الأجساد بالتحميد والتعظيم وإظهار صفاته الجلالية ، وطير القوى القلبية والسرية بالأمرين (صَافَّاتٍ) مترتبات في مراتبها من فضاء السرّ ، مستقيمات بنور السكينة ، لا تتجاوز واحدة منها حدّها ، كما قال : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤)) (١).
(كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ) طاعته المخصوصة به من انقهاره وتسخره تحت قهره ، وسلطنته علمية كانت أو عملية ، ومن محافظته لتربيته وحضوره لوجهه تعالى فيما أمره به (وَتَسْبِيحَهُ) إظهار خاصيته التي ينفرد بها ، الشاهدة على وحدانيته (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأفعالهم وطاعاتهم.
[٤٣ ـ ٤٤] (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤))
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي) برياح النفخات والإرادات سحاب العقل فروعا منتزعة من الصور الجزئية ثم يؤلف فيه على ضروب المتألفات المنتجة (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) حججا وبراهين (فَتَرَى) ودق النتائج والعلوم اليقينية (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ) سماء الروح من
__________________
(١) سورة الصافات ، الآية : ١٦٤.