سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢))
(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ) الغيب المخفي عن المحجوبين في العالمين (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً) يستر صفات النفوس الحاجبة للغيوب بأنوار صفاته (رَحِيماً) يفيض الكمالات على القلوب عند صفائها بحسب الاستعدادات. ومن غفرانه ورحمته هذا الإنزال الذي تشكّون فيه أيها المحجوبون (بَلْ كَذَّبُوا) بالقيامة الكبرى ، وذلك التكذيب إنما يكون لفرط الاحتجاب أو نقصان الاستعداد ، وكلاهما يوجب التعذيب بالعذاب لاستيلاء نيران الطبيعة الجسمانية والهيئات الهيولانية على النفوس الظلمانية بالضرورة وتأثير زبانية النفوس السماوية والأرضية فيها التي إذا قابلتهم باستعداد قبول تأثيرها وقهرها من بعيد لكونها تكون في الجهة السفلية ظهر لهم آثار قهرها وتسلط غضب تأثيرها.
[١٣ ـ ١٤] (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤))
(وَإِذا أُلْقُوا) من جملة أماكن نار الطبيعة الحرمانية (مَكاناً ضَيِّقاً) يحبسها في برزخ يناسب هيئاتها مقدّر بقدر استعدادها (مُقَرَّنِينَ) بسلاسل محبة السفلانيات وهوى الشهوات ، تمنعها عن الحركة في تحصيل المرادات وأغلال صور هيولانية مانعة لأطرافها وآلاتها عن مباشرة الحركات في طلب الشهوات ، ومقرّنين بما يجانسهم من الشياطين المغوية إياهم عن سبيل الرشاد والداعية لهم إلى الضلال (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) بتمني الموت والتحسر على الفوت ، لكونهم من الشدة فيما يتمنى فيه الموت.
[١٥ ـ ٢١] (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠) وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١))