(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ) عالم القدس الموعودة للمجرّدين عن ملابس الأبدان وصفات النفوس (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) من اللذات الروحانية أبدا سرمدا (وَما يَعْبُدُونَ) عامّ لكل معبود سوى الله ، والقول إنما يكون بلسان الحال لأن كل شيء سوى الإنسان المحجوب شاهد بوجوده ووجده بالله تعالى ووحدانيته ، مسبّح له بإظهار خاصيته وكماله ، مطيع له فيما أراد الله من أفعاله ، وذلك معنى قوله : (سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) فحالهم ناطقة بنفي الضلال عن نفسهم في إثبات الضلال للواقفين معهم ، المحجوبين بهم بسبب الانهماك في اللذّات الحسيّة والاشتغال بالطيبات الدنيوية الموجبة للغفلة ونسيان الذكر والبور الهلكى.
[٢٢ ـ ٢٤] (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤))
(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) لأن ذلك اليوم هو وقت وقوع القيامة الصغرى وإخراب البدن الذي به تؤثر فيهم الروحانيات السماوية والأرضية بالقهر والتعذيب وإلزام الهيئات البرزخية المنافية لطباع أرواحهم في الأصل ، وإن كانت مناسبة لها في الحال (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) يتمنون أن يدفع الله عنهم ذلك ويمنعه. وإنما جعلت أعمالهم هباء لكونها غير مبنية على عقائد صحيحة. والأصل في العمل الإيمان اللازم لسلامة الفطرة وإذا لم يكن كان كل حسنة سيئة لمقارنتها النية الفاسدة والتوجه بها لغير وجه الله.
[٢٥] (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥))
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) سماء الروح الحيواني بغمام الروح الإنساني بانفتاحها عنه ، ولهذا قيل في التفاسير : إنه غمام أبيض دقيق. وإنما شبّه بالغمام لاكتسابه الهيئة الجسدانية والصورة اللطيفة النفسانية من البدن واحتجابه بها وكونه منشأ العلم كالغمام للماء ، وفي تلك الصورة الثواب والعقاب قبل البعث الجسداني (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) باتصالها به إما للثواب وإما للعقاب لأنها إما مظاهر اللطف وأما مظاهر القهر.
[٢٦ ـ ٣٣] (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ