فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣))
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) أي : الثابت الذي لا يتغير (لِلرَّحْمنِ) الموصوف بجميع صفات اللطف والقهر ، المفيض على كل ما يستحق لزوال كل ملك باطل ولا قدرة حينئذ لأحد على إنجاء المعذبين منه ولا يمكنهم الالتجاء بغيره لبطلان التعلقات والإضافات وظهور ملك الرحمن على الإطلاق. أو يوم تشقق سماء القلب بغمام نور السكينة وتنزّل ملائكة القوى الروحانية بالأمداد الإلهية والأنوار الصفاتية في القيامة الوسطى تكون تلك السلطنة على القلب للرحمن المستوي على عرشه ، المتجلي له بجميع صفاته (وَ) على كلا التقديرين (كانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) أما على الأول فلتعذبهم عند خراب البدن بالهيئات المظلمة وقهر القوى السماوية ، وأما على الثاني فلظهور تعذّبهم في شهود صاحب هذه القيامة واطلاعه ، ولم يوجد موجودا مستقلا في التأثير فيناسبه ولم يكن قاهر غيره فيشاركه على حالهم أو للبناء على تأويلهم بالقوى النفسانية المقهورة هناك ، المعذبة بالرياضة ، والله أعلم.
تثبيت فؤاده عليهالسلام بالقرآن هو أنه لما ردّ في مقام البقاء بعد الفناء إلى حجاب القلب لهداية الخلق كان قد يظهر نفسه وقتا غبّ وقت على قلبه بصفاتها ، ويحدث له التلوين بسببها كما ذكر في قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (١) ، وفي قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)) (٢) فكان يتداركه الله تعالى بإنزال الوحي والجذبة ويؤدّبه ويعاتبه فيرجع إليه في كل حال ويتوب ، كماقال عليهالسلام : «أدّبني ربّي فأحسن تأديبي». وقال صلىاللهعليهوسلم : «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة حتى يتمكن ويستقيم». وكان سبب ظهور ابتلاء الله تعالى إياه بالدعوة لإيذاء الناس إياه وعداوتهم ومناصبتهم له ، والحكمة في الابتلاء أمران ، أحدهما : راجع إليه ، وهو أن يظهر نفسه بجميع صفاتها في مقابلة استيلاء الأعداء المختلفين في النفوس وصفاتها واستعداداتها ومراتبها فيؤدّبه الله بحكمة وجود كل صفة وفضيلة كل قوة ، فيحصل له جميع مكارم الأخلاق وكمالات جميع الأنبياء كماقال عليهالسلام : «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ، وأوتيت جوامع الكلم». فإن ظهوره بكل صفة هو ظرف قبوله لفضيلتها وحكمتها ، إذ لو لا الجهات المختلفة في القلب بواسطة صفات النفس لما استعدّ لقبول الحكم المتفننة والفضائل بتخصص توجهه لكل واحدة منها. والثاني : راجع إلى الأمّة ، فإنه رسول إلى الكل واستعداداتهم متباينة ، ونفوسهم في الصفات متفاوتة. فيجب أن يكون فيه جوامع الحكم والكلم والفضائل والأخلاق ليهدي
__________________
(١) سورة الحج ، الآية : ٥٢.
(٢) سورة عبس ، الآية : ١.