عقابهم أشد إذا ما استمروا في كفرهم وضلالهم.
وعبر ـ سبحانه ـ بقوله : (قَدْ جاءَكُمْ) للإيذان بأنه صلىاللهعليهوسلم قد أصبح بينهم ، بحيث يشاهدهم ويشاهدونه ، ويسمع منهم ويسمعون منه ، وأنه قد صار من اللازم عليهم اتباعه ، لأن الشواهد قد قامت على صدقه فيما يبلغه عن ربه.
وأضاف ـ سبحانه ـ الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى ذاته فقال : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) لتشريفه صلىاللهعليهوسلم وتكريمه ، وللإشارة إلى قدسية هذه الرسالة وسمو منزلتها ، وأنها لا تسوغ مخالفة من أتى بها ، ولا يصح الخروج عن طاعته ، لأنه رسول من عند الله ـ تعالى ـ الذي له الخلق والأمر.
ومفعول (يُبَيِّنُ) محذوف. أى : يبين لكم الشرائع والأحكام ، وما أمرتم به ، وما نهيتم عنه ، وحذف هذا المفعول اعتمادا على ظهوره ، إذ من المعلوم أن ما يبينه الرسول هو الشرائع والأحكام.
وقوله : (عَلى فَتْرَةٍ) متعلق بقوله (جاءَكُمْ) على الظرفية ، وقوله : (مِنَ الرُّسُلِ) متعلق بمحذوف صفة لفترة. أى : قد جاءكم رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم على حين فتور من الإرسال وانقطاع الوحى ، ومزيد الاحتياج إلى البيان.
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ (عَلى فَتْرَةٍ) فيه معنى فوقيه الرسالة على الفترة ، وعلوها عليها ؛ كعلوا البيان على الجهل ، والنور على الظلمة ، فمن الواجب عليهم أن يسارعوا إلى اتباع الرسول الذي جاءهم بالحق ، وإلا كانوا ممن يرتضى لنفسه الانحدار من الأعلى إلى الأدنى ، ومن العلم إلى الجهل ، ومن الهدى إلى الضلال.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) جملة تعليلية المقصود بها قطع معاذيرهم إذا احتجوا بالجهل وعدم معرفتهم لأوامر الله ونواهيه.
والمراد بالبشير : المبشر الذي يبشر أهل الحق والطاعة بالخير والسعادة.
والمراد بالنذير : المنذر الذي ينذر أهل الباطل والضلال بسوء المصير.
والمعنى : لقد جاءكم يا معشر أهل الكتاب رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم يبين لكم شرائع الله بعد فترة متطاولة من انقطاع الرسل ، لكي لا تقولوا على سبيل المعذرة يوم الحساب ، ما جاءنا من بشير يبشرنا بالخير عند الطاعة ، ولا نذير ينذرنا بسوء العاقبة عند المعصية.
و (مِنَ) في قوله (مِنْ بَشِيرٍ) لتأكيد نفى المجيء.
والتنكير في قوله : (بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) للتقليل ، أى : ما جاءنا أى بشير ولو كان صغيرا ، وما جاءنا أى نذير ولو كان ضئيلا.