والجبن والفزع إلى غاية بحيث قالوا لنبيهم الذي ظهرت على يديه خوارق عظيمة ـ (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) وانتهى قابيل إلى طرف نقيض منهم من الجسارة والعتو بأن أقدم على أكبر المعاصي بعد الشرك وهو قتل النفس التي حرم الله قتلها ، بحيث كان أول من سن القتل ، وكان عليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة. فاشتبهت القصتان من حيث الجبن عن القتل والإقدام عليه. ومن حيث المعصية بهما وأيضا فتقدم قوله في أوائل الآيات :
(إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) وتبين ان عدم اتباع بنى إسرائيل للنبي صلىاللهعليهوسلم إنما سببه الحسد ، وقصة بنى آدم انطوت على الحسد : وأن بسببه وقعت أول جريمة قتل على ظهر الأرض (١).
وقوله : (وَاتْلُ) من التلاوة. وأصل التلاوة القراءة المتتابعة الواضحة في مخارج حروفها. وفي النطق بها. والمراد بابني آدم : ولداه وهما قابيل وهابيل.
قال القرطبي : واختلف في ابني آدم. فقال الحسن البصري : ليسا من صلبه كانا رجلين من بنى إسرائيل ـ ضرب الله بهما المثل في إبانة حسد اليهود ـ وكان بينهما خصومة ، فتقربا بقربانين ، ولم تكن القرابين إلا في بنى إسرائيل قال ابن عطية : وهذا وهم ، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بنى إسرائيل يقتدى بالغراب؟ والصحيح أنهما ابناه لصلبه. هذا قول الجمهور من المفسرين وهما قابيل وهابيل (٢).
والضمير في قوله : (عَلَيْهِمْ) يعود على بنى إسرائيل الذين سبق الحديث عنهم. أو على جميع الذين أرسل الرسول صلىاللهعليهوسلم لهدايتهم ويدخل فيه بنو إسرائيل دخولا أوليا ، لإعلامهم بما هو في كتبهم حيث وردت هذه القصة في التوراة.
وقوله (بِالْحَقِ) متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر (اتْلُ) أى : اتل عليهم تلاوة ملتبسة بالحق والصدق. والقربان : اسم لما يتقرب به إلى الله ـ تعالى ـ من صدقة أو غيرها. ويطلق في أكثر الأحوال على الذبائح التي يتقرب إلى الله ـ بذبحها.
قال أبو حيان : وقد طول المفسرون في سبب تقريب هذا القربان ـ من قابيل وهابيل ـ وملخصه : أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى ، وكان آدم يزوج ذكر هذا البطن أنثى ذلك البطن الآخر. ولا يحل للذكر نكاح توأمته : فولد مع قابيل أخت جميلة ، وولد مع هابيل أخت دون ذلك. فأبى قابيل إلا أن يتزوج توأمته لا توأمة هابيل ، وأن يخالف سنة النكاح ونازع قابيل هابيل في ذلك ، فاتفقا على أن يقدما قربانا ـ فأيهما قبل قربانه تزوجها ، والقربان الذي
__________________
(١) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ص ٤٦٠
(٢) تفسير القرطبي ج ٦ ص ١٣٣