قرباه هو زرع لقابيل ـ وكان صاحب زرع ـ وكبش لهابيل ـ وكان صاحب غنم ـ فتقبل من أحدهما وهو هابيل ولم يتقبل من الآخر وهو قابيل. وكانت علامة التقبل أن تأكل نار نازلة من السماء القربان المتقبل وتترك غير المتقبل (١).
والمعنى : واتل ـ يا محمد ـ على هؤلاء الحسدة من اليهود ، وعلى الناس جميعا قصة قابيل وهابيل ، وقت أن قربا قربانا لله ـ تعالى ـ فتقبل الله ـ عزوجل ـ قربان أحدهما ـ وهو هابيل ـ لصدقه وإخلاصه ، ولم يتقبل من الآخر ـ وهو قابيل ـ بسوء نيته وعدم تقواه.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما دار بين الأخوين من حوار فقال : (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) أى قال قابيل متوعدا أخاه هابيل : لأقتلنك بسبب قبول قربانك ، دون قرباني ، فأنت ترى أن هذا الأخ الظالم قد توعد أخاه بالقتل ـ وهو من أكبر الكبائر. دون أن يقيم للأخوة التي بينهما وزنا ودون أن يهتم بحرمة الدماء وبحق غيره في الحياة والذي حمله على ذلك الحسد له على مزية القبول.
وقد أكد تصميمه على قتله لأخيه بالقسم المطوى في الكلام والذي تدل عليه اللام. ونون التوكيد الثقيلة أى والله لأقتلنك بسبب قبول قربانك.
وهنا يحكى القرآن الكريم مارد به الأخ البار التقى هابيل على أخيه الظالم الحاسد قابيل ، فيقول : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
أى : قال هابيل لقابيل ناصحا ومرشدا : إنما يتقبل الله الأعمال والصدقات من عباده المتقين الذين يخشونه في السر والعلن ؛ وليس من سواهم من الظالمين الحاسدين لغيرهم على ما آتاهم الله من نعم ، فعليك أن تكون من المتقين لكي يقبل منك الله.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف كان قوله : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) جوابا لقوله : (لَأَقْتُلَنَّكَ)؟ قلت : لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له : إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى ، لا من قبلي ، فلم تقتلني؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان. وفيه دليل على أن الله ـ تعالى ـ لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق (٢).
ثم انتقل الأخ التقى من وعظ أخيه بتطهير قلبه ، إلى تذكيره بحقوق الأخوة وما تقتضيه من بر وتسامح فقال ـ كما حكى القرآن عنه ـ (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ١٣٠
(٢) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ٢ ص ٤٦١
.