رديئة المناخ ـ فأمر لهم النبي صلىاللهعليهوسلم بذود وراع ـ أى : بعدد من الإبل ومعهم راع ـ ، وأمرهم أن يخرجوا بها ، فيشربوا من ألبانها وأبوالها ، فقتلوا الراعي ، واستاقوا الذود ، وكفروا بعد إسلامهم ، فأتى بهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وتركهم في الحرة حتى ماتوا ، فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم.
ثم قال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال : أنزل الله هذه الآية على نبيه صلىاللهعليهوسلم : لمعرفة حكمه على من حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض فسادا ، بعد الذي كان من فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالعرنيين» (١).
والذي يراه ابن جرير أولى هو الذي تطمئن إليه النفس ، فإن الآية الكريمة تبين عقاب قطاع الطرق الذين يحاربون النظام القائم للأمة ، ويرتكبون جرائم القتل والنهب والسلب والسرقة سواء أكانوا من المشركين أم من غيرهم؟ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقوله : سبحانه (يُحارِبُونَ) من المحاربة. والمحاربة : مفاعلة من الحرب وهي ضد السلم ، والأصل في معنى كلمة الحرب : الأخذ والسلب. يقال : حربه ، إذا سلبه ماله ، والمراد بالمحاربة هنا : قطع الطريق على الآمنين بالاعتداء عليهم بالقتل أو السلب أو ما يشبه ذلك من الجرائم التي حرمها الله ـ تعالى ـ :
ومحاربة الناس لله ـ تعالى ـ على وجه الحقيقة غير ممكنة ، لتنزهه ـ سبحانه ـ عن أن يكون من الجواهر والأجسام التي تقاتل ؛ ولأن ، المحاربة تستلزم أن يكون كل من المتحاربين في وجهة ومكان والله منزه عن ذلك ، فيكون التعبير مجازا عن المخالفة لشرع الله ، وارتكاب ما يغضبه أو المعنى : يحاربون أولياء الله وأولياء رسوله وهم المسلمون ؛ فيكون الكلام على تقدير حذف مضاف.
وصدر ـ سبحانه ـ الآية بلفظ إنما المفيد للقصر ، لتأكيد العقاب ، ولبيان أنه عقاب لا هوادة فيه ، لأنه حد من حدود الله ـ تعالى ـ على تلك الجريمة النكراء التي تقوض بنيان الجماعة ، وتهدم أمنها ، وتزلزل كيانها ، وتبعث الرعب والخوف في نفوس أفرادها.
وعبر ـ سبحانه ـ عمن يحارب أولياءه وشرعه بأنهم محاربون له ولرسوله لزيادة التشنيع عليهم ، ولبيان أن كل من يهدد أمن المسلمين ويعتدى عليهم يكون محاربا لله ولرسوله ومستحقا لغضبه ـ سبحانه ـ وعقوبته.
وقوله : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) معطوف على قوله (يُحارِبُونَ).
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ٢٠٨.