وقوله : (وَيَسْعَوْنَ) من السعى وهو الحركة السريعة المستمرة.
والفساد : ضد الصلاح. فكل ما خرج عن وضعه الذي يكون به صالحا نافعا ، يقال إنه قد فسد. والسعى في الأرض بالفساد المراد به هنا : قطع الطريق على الناس ، وتهديد أمنهم ، والتعرض لهم بالأذى في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم.
وقوله : (فَساداً) مفعول لأجله أى : يحاربون ويسعون لأجل الفساد. أو هو حال من فاعل (يَسْعَوْنَ) بتأويله بمفسدين ، أو ذوى فساد.
وقوله : أن يقتّلوا أو يصلّبوا إلخ. خبر عن المبتدأ الذي هو (جَزاءُ) والمعنى : (إِنَّما جَزاءُ) أى : عقاب (الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أى : يخالفونهما ويعصون أمرهما ، ويعتدون على أوليائهما (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) أى : يعملون بسرعة ونشاط في الأرض لا من أجل الإصلاح وإنما من أجل الإفساد فيها عن طريق تهديد أمن الناس ، والاعتداء على أموالهم وأنفسهم. جزاء هؤلاء (أَنْ يُقَتَّلُوا) والتقتيل هو القتل ، إلا أنه ذكر بصيغة التضعيف لإفادة الشدة في القتل وعدم التهاون في إيقاعه عليهم لكونه حق الشرع وللإشارة إلى الاستمرار في قتلهم ماداموا مستمرين في الجريمة فكلما كان منهم قتل قتلوا.
(أَوْ يُصَلَّبُوا) والتصليب : وضع الجاني الذي يراد قتله مشدودا على مكان مرتفع بحيث يرى بعد القتل ليكون عبرة لغيره ، وردعا له عن ارتكاب المعاصي والجرائم. قالوا : ويكون الصلب لمدة ثلاثة أيام وقيل : لمدة يوم واحد. وجيء هنا أيضا بصيغة التضعيف لإفادة التشديد في تنفيذ هذه العقوبة وإثبات أنه لا هوادة فيها.
(أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) أى : تقطع مختلفة ، فقوله (مِنْ خِلافٍ) حال من أيديهم وأرجلهم أى : لا تكون اليد والرجل المقطوعتان من جانب واحد بل تكونان من جانبين مختلفين.
(أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) أى ، يطردوا من الأرض التي اتفقوا فيها على الإجرام إلى أرض أخرى ليتشتت شملهم ، ويتفرق جمعهم ، مع مراقبتهم والتضييق عليهم. وفسر بعضهم النفي بالحبس في السجون ، لأن فيه إبعادا لهم وتفريقا لجمعهم.
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) يعود إلى العقاب المذكور في الآية من القتل والصلب .. إلخ.
والخزي : الذل والفضيحة أى ذلك العقاب المذكور (لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) أى : ذل وفضيحة وعار عليهم ، لأنه كشف أمرهم ، وهتك سترهم ، وجعلهم عبرة لغيرهم.