هذا هو عقاب الدنيا أما عقاب الآخرة فقد بينه ـ سبحانه ـ بقوله : (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) أى : لهم في الآخرة عذاب عظيم في شدته وآلامه جزاء ما اقترفوا من جرائم.
وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بيان لحكم هؤلاء المحاربين إذا ما تابوا قبل القدرة عليهم.
أى نفذوا ـ أيها المسلمون ـ هذه العقوبات على هؤلاء المحاربين لأولياء الله وأولياء رسوله ، والساعين في الأرض بالفساد ماداموا مستمرين في غيهم وعدوانهم (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) منهم (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) أى : من قبل أن تتمكنوا من أخذهم ، بأن أتوكم طائعين نادمين ، (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أى واسع المغفرة والرحمة بعباده.
هذا وهناك مسائل تتعلق بهاتين الآيتين من أهمها ما يأتى :
١ ـ احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء في أن المحاربة في الأمصار وفي القرى وفي الصحراء على السواء ، فحيثما تحققت إخافة المسلمين ، كان الفاعلون لتلك الإخافة محاربين لله ولرسوله ويجب إنزال العقاب بهم ، لقوله ـ تعالى ـ (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) وكل هذه الأماكن من الأرض. وعلى هذا الرأى سار الإمام مالك والشافعى وأحمد وغيرهم.
ويرى الإمام أبو حنيفة أن قطع الطريق لا يتصور في داخل المصر ، إذ يمكن الإغاثة عند الاستغاثة ويد السلطان مبسوطة في داخل الأمصار والقرى وإنما يتصور قطع الطريق في الصحراء وخارج المدن والقرى.
والذي نراه متفقا مع الآية الكريمة أنه حيثما تحقق الوصف ـ وهو محاربة الآمنين ؛ واستلاب أموالهم ، والاعتداء على أرواحهم ـ كانت الحرابة ، ولزمت العقوبة التي تردع هؤلاء المعتدين على أموال الناس وأنفسهم.
قال القرطبي : واختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة. فقال مالك : المحارب عندنا من حمل على الناس في مصر أو في برية وكابرهم على أنفسهم وأموالهم دون نائرة (١).
قال ابن المنذر : اختلف عن مالك في هذه المسألة فأثبت المحاربة في المصر مرة ونفى ذلك مرة. وقالت طائفة حكم ذلك في المصر أو في المنازل والطرق ، وديار أهل البادية والقرى سواء وحدودهم واحدة.
قال ابن المنذر : كذلك هو ، لأن كلا يقع عليه اسم المحاربة. والآية على العموم. وليس
__________________
(١) نائرة : أى هاجة يقال : نارت ناره في الناس بمعنى : هاجت هائجة.