لأحد أن يخرج من جملة الآية قوما بغير حجة. وقالت طائفة : لا تكون المحاربة في المصر إنما تكون خارجة عن المصر (١).
وقال ابن العربي : والذي نختاره أن الحرابة عامة في المصر والقفر ، وإن كان بعضها أفحش من بعض. ولكن اسم الحرابة يتناولها ، ومعنى الحرابة موجود فيها. ولو خرج بعض من في المصر لقتل بالسيف. ويؤخذ فيه بأشد ذلك لا بأيسره. فإنه سلب وغيلة ، وفعل الغيلة أقبح من فعل الظاهرة ولذلك دخل العفو في قتل المجاهرة فكان قصاصا ، ولم يدخل في قتل الغيلة وكان حدا» (٢) ٢ ـ اختلف الفقهاء في معنى التخيير في قوله ـ تعالى ـ (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ).
فقال قوم من السلف : الآية تدل على التخيير بين هذه الأجزية. فمتى خرج المحاربون بقطع الطريق ، وقدر الإمام عليهم ، فهو مخير بين أن يوقع بهم أى نوع من العقاب من هذه الأنواع الأربعة : القتل أو الصلب أو التقطيع أو النفي ، حتى ولو لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا ، ماداموا قد اجتمعوا وقصدوا تهديد أمن الناس. فالمسألة متروكة لتقدير الحاكم ، وعليه أن يوقع بهم ما يراه مناسبا لزجرهم وردعهم وجعلهم عبرة لغيرهم حتى لا يستشرى الشر في الأمة.
قال ابن كثير : قال ابن أبى طلحة عن ابن عباس فيمن شهر السلاح في قبة الإسلام. وأخاف السبيل ثم ظفر به الإمام وقدر عليه ، فإمام المسلمين فيه بالخيار : إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله ، وكذا قال : سعيد بن المسيب ومجاهد ، وعطاء ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك ، كما رواه ابن جرير عن أنس ـ وهو مذهب المالكية.
ومستند هذا القول أن ظاهر (أَوْ) للتخيير كما في نظائر ذلك من القرآن ، كما في قوله ـ تعالى ـ في كفارة الفدية : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فأو هنا للتخيير ، وكذلك في الآية التي معنا» (٣).
وقال قوم آخرون من السلف : الآية تدل على ترتيب الأحكام وتوزيعها على ما يليق بها من الجنايات. أى : أن (أَوْ) لتنويع العقوبات على حسب طبيعة الجرائم. فإذا قتل هؤلاء المحاربون غيرهم وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا فقط قتلوا ، وإذا أخذوا المال فحسب قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف. وإذا تجمعوا واتفقوا على ارتكاب الجرائم من غير أن
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ١٥١.
(٢) أحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٥٩٥.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥١ ـ بتلخيص يسير ـ