يرتكبوا بالفعل نفوا من الأرض.
وبهذا الرأى قال ابن عباس وقتادة والأوزاعى ، وهو مذهب الشافعية والأحناف والحنابلة.
قال ابن كثير : وقال الجمهور : هذه الآية منزلة على أحوال ، فعن ابن عباس أنه قال في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض.
ثم قال ابن كثير : ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره أن عبد الله بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية ، فكتب إليه يخبره أنها نزلت في أولئك النفر العرنيين الذين ارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإبل وأخافوا السبيل .. قال أنس : فسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم جبريل عن القضاء فيمن حارب ، فقال جبريل : من سرق ما لا وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته ورجله بإخافته ومن قتل فاقتله. ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه» (١).
وقال الفخر الرازي : والذي يدل على ضعف القول الأول وجهان :
الأول : أنه لو كان المراد من الآية التخيير لوجب أن يمكن الإمام من الاقتصار على النفي ، ولما أجمعوا على أنه ليس له ذلك علمنا أنه ليس المراد من الآية التخيير.
الثاني : أن هذا المحارب إذا لم يقتل ولم يأخذ المال فقدهم بالمعصية ولم يفعل ، وذلك لا يوجب القتل كالعزم على سائر المعاصي فثبت أنه لا يجوز حمل الآية على التخيير ، فيجب أن يضمر في كل فعل على حدة فعلا على حدة ، فصار التقدير : أن يقتلوا إن قتلوا ، أو يصلبوا إن جمعوا بين أخذ المال والقتل أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن اقتصروا على أخذ المال. أو ينفوا من الأرض إن أخافوا السبيل» (٢).
والخلاصة أن أصحاب هذا الرأى الثاني يستدلون بأدلة نقلية ـ سبق بيانها ـ كما يستدلون بأدلة عقلية منها ما ذكر الإمام الرازي ومنها أن العقل يقضى أن يكون الجزاء مناسبا للجناية بحيث يزداد بازديادها ، وينقص بنقصها ، وليس من المعقول أن تكون جريمة الاتفاق على الإرهاب بدون تنفيذ ، متساوية مع جريمة الإرهاب والقتل والسلب. إذا فالعدالة توجب تنويع العقوبة.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥١.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ٢١٦.