سبحانه ـ المالك لكل شيء ، والخالق لكل شيء وهو صاحب السلطان المطلق في خلقه ، فله ـ سبحانه ـ أن يعذب من يشاء تعذيبه وله أن يرحم من يشاء رحمته.
قال الآلوسى : وكان الظاهر لحديث : «سبقت رحمتي غضبى» ، تقديم المغفرة على التعذيب ، وإنما عكس هنا ، لأن التعذيب للمصر على السرقة ، والمغفرة للتائب منها. وقد قدمت السرقة في الآية أولا ثم ذكرت التوبة بعدها فجاء هذا اللاحق على ترتيب السابق.
أو لأن المراد بالتعذيب القطع ، وبالمغفرة التجاوز عن حق الله ـ تعالى ـ والأول في الدنيا والثاني في الآخرة ، فجيء به على ترتيب الوجود. ولأن المقام مقام الوعيد (١).
وقوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تذييل مؤكد لما قبله ، ومقرر لشمول قدرته ـ سبحانه ـ على كل شيء.
هذا وقد تكلم العلماء عن معنى السرقة ، وعن شروط إقامة حدها ، وعن طريقة إثباتها. وعن غير ذلك من المسائل المتعلقة بها ، تكلموا عن كل ذلك باستفاضة في كتب الفقه وفي بعض كتب التفسير.
ونرى أنه لا بأس من ذكر خلاصة لبعض المسائل التي تحدثوا عنها فنقول :
١ ـ عرف الفقهاء السرقة شرعا بأنها أخذ العاقل البالغ مقدارا مخصوصا من المال على طريق الاستخفاء من حرز بمكان أو حافظ وبدون شبهة.
٢ ـ وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئا قطعت يده به ، سواء أكان قليلا أم كثيرا ، لعموم هذه الآية.
ولكن جمهور الفقهاء يرون أنه لا تقطع يد السارق إلا إذا بلغ المسروق قدرا معينا من المال ، وقد تفاوتت أنظارهم في هذا القدر.
فالاحناف يرون أنه لا قطع إلا في عشرة دراهم فصاعدا ، أو فيما قيمته عشرة دراهم. ومن حججهم ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا قطع فيما دون عشرة دراهم».
والمالكية والشافعية يرون أنه لا قطع إلا في ربع دينار أو فيما قيمته ذلك.
ومن حججهم ما روى عن عائشة أنها قالت : «تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا».
قال القرطبي : وظاهر الآية العموم في كل سارق وليس كذلك لقوله صلىاللهعليهوسلم «لا تقطع يد
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٣٥