قال الفخر الرازي : قوله (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) ذكر الفراء والزجاج ها هنا وجهين :
الأول : أن الكلام إنما يتم عند قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) ثم يبدأ الكلام من قوله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) وتقدير الكلام لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من المنافقين ومن اليهود ثم بعد ذلك وصف الكل بكونهم سماعين للكذب.
الثاني : أن الكلام تم عند قوله ـ تعالى ـ : (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) ثم ابتدأ من قوله : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) وعلى هذا التقدير فقوله (سَمَّاعُونَ) صفة لمحذوف. والتقدير : ومن الذين هادوا قوم سماعون (١).
قال الجمل : الأولى والأحسن أن يكون قوله : و (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) معطوفا على البيان وهو قوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا) فيكون البيان بشيئين المنافقين واليهود. أما على القول الثاني فيكون البيان بشيء واحد وهو المنافقون» (٢).
وقوله : (سَمَّاعُونَ) للكذب ؛ سماعون لقوم آخرين لم يأتوك صفتان أخريان لأولئك الذين يقعون في الكفر بسرعة ورغبة.
وقوله : (سَمَّاعُونَ) جمع سماع. وهو صيغة مبالغة جيء بها لإفادة أنهم كثير والسماع للكذب ، وأنهم لفساد نفوسهم يجدون لذة في الاستماع إليه من رؤسائهم وأحبارهم ، ومن هم على شاكلتهم في العناد والضلال.
واللام في قوله : (لِلْكَذِبِ) للتقوية أى : أنهم يسمعون الكذب كثيرا سماع قبول وتلذذ ، ويأخذونه ممن يقوله من أعداء الإسلام على أنه حقائق ثابتة لا مجال للريب فيها.
وقيل إن اللام للتعليل أى أنهم كثير والسماع لكلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ولأخباره من أجل الكذب عليه ، عن طريق تغيير وتبديل ما سمعوه على حسب ما تهواه نفوسهم المريضة.
وقوله : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) بيان لمسلك آخر من مسالكهم الخبيثة بعد بيان احتفالهم بالأخبار الكاذبة ، وتقبلها بفرح وسرور.
أى : أن هؤلاء المسارعين في الكفر من المنافقين واليهود من صفاتهم أنهم كثير والسماع للأكاذيب التي يروجها أعداء الدعوة الإسلامية ضدها كثير والسماع والقبول والاستجابة لما يقوله عنها قوم آخرون من أعدائها لم يحضروا مجالس الرسول صلىاللهعليهوسلم تكبرا وعتوا.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ٢٣٢
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٤٠٠