يزعهم وازع من خلق أو دين.
قال صاحب الكشاف : يقال : أسرع فيه الشيب ، وأسرع فيه الفساد بمعنى : وقع فيه سريعا. فكذلك مسارعتهم في الكفر عبارة عن إلقائهم أنفسهم فيه على أسرع الوجوه ، بحيث إذا وجدوا فرصة لم يخطئوها» (١) وقال أبو السعود : والمسارعة في الشيء : الوقوع فيه بسرعة ورغبة. وإيثار كلمة (فِي) على كلمة إلى ، للإيمان إلى أنهم مستقرون في الكفر لا يبرحونه.
وإنما ينتقلون بالمسارعة عن بعض فنونه وأحكامه إلى بعض آخر منها ، كإظهار موالاة المشركين ، وإبراز آثار الكيد للإسلام ونحو ذلك» (٢) وقوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) بيان لأولئك المسارعين في الكفر. والمتنقلين في دركاته من دركة إلى دركة.
وقوله (بِأَفْواهِهِمْ) متعلق بقوله : (قالُوا) وقوله : (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) جملة حالية من ضمير ، قالوا.
وقوله : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) معطوف على قوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) وعليه فيكون الذين هادوا داخلين في الذين يسارعون في الكفر.
أى أن المسارعين في الكفر فريقان : فريق المنافقين الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، وفريق اليهود الذين تميزوا بهذا الإسم واشتركوا مع المنافقين في نفاقهم والمعنى : لا تهتم يا محمد بأولئك الذين يسارعون في الكفر من المنافقين واليهود الذين من صفاتهم أنهم يظهرون الإيمان على أطراف ألسنتهم والحال أن قلوبهم خالية منه.
وعلى هذا المعنى يكون الكلام قد تم عند قوله ـ تعالى ـ (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) ، ويكون ما بعده وهو قوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ). ألخ. من أوصاف الفريقين معا ، لأنهم مشتركون في المسارعة في الكفر.
ومنهم من يرى أن قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) جمله مستأنفة لبيان أحوال فريق آخر من الناس وهم اليهود ، وأن قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) إلخ. من أوصاف هؤلاء اليهود ، وأن الكلام قد تم عند قوله ـ تعالى ـ (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) وأن البيان بقوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) لفريق المنافقين.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٣٢ بتصرف يسير
(٢) تفسير أبو السعود ج ٢ ص ٢٧