تعالى ـ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن. وكلتا يديه يمين. الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» (١).
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة ما يأتى :
١ ـ أن أكل السحت حرام سواء أكان عن طريق الرشوة أم عن أى طريق محرم سواها.
ولقد كان السابقون من السلف الصالح يتحرون الحلال. وينفرون من الحرام ، بل ومن الشبهات ، وكانوا يرون أن تأييد الحق ودفع الباطل واجب عليهم ، وأنه لا يصح أن يأخذوا عليه أجرا ..
قال ابن جرير : شفع مسروق لرجل في حاجة فأهدى إليه جارية ، فغضب مسروق غضبا شديدا وقال : لو علمت أنك تفعل هذا ما كلمت في حاجتك ، ولا أكلمه فيما بقي من حاجتك. سمعت ابن مسعود يقول : من شفع شفاعة ليرد بها حقا ، أو يرفع بها ظلما ، فأهدى له ، فقبل ، فهو سحت».
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به». قيل يا رسول الله وما السحت؟ قال صلىاللهعليهوسلم : «الرشوة في الحكم».
وعن الحكم بن عبد الله قال : قال لي أنس بن مالك : إذا انقلبت إلى أبيك فقل له : إياك والرشوة فإنها سحت. وكان أبوه على شرط المدينة» (٢).
قال بعض العلماء : والرشوة قد تكون في الحكم وهي محرمه على الراشي والمرتشي. وقد روى أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لعن الراشي والمرتشي والذي يمشى بينهما» لأن الحاكم حينئذ إن حكم له بما هو حقه كان فاسقا من جهه أنه قبل الرشوة على أن يحكم بما يعرض عليه الحكم به. وإن حكم بالباطل كان فاسقا من جهة أنه أخذ الرشوة. ومن جهة أنه حكم بالباطل.
وقد تكون الرشوة في غير الحكم مثل أن يرشو الحاكم ليدفع ظلمه عنه فهذه الرشوة محرمة على آخذها غير محرمة على معطيها ، فقد روى عن الحسن أنه قال : «لا بأس أن يدفع الرجل من ماله ما يصون به عرضه». وروى عن جابر بن زيد والشعبي أنهما قالا : «لا بأس بأن يصانع الرجل عن نفسه وما له إذا خاف الظلم».
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة ج ٦ ص ٧
(٢) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ٢٤٠ ـ بتصرف يسير.