الأول : أن يحفظ فلا ينسى.
الثاني : أن يحفظ فلا يضيع.
وقد أخذ الله على العلماء حفظ كتابه من وجهين.
أحدهما : أن يحفظوه في صدورهم ويدرسوه بألسنتهم.
والثاني : ألا يضيعوا أحكامه ولا يهملوا شرائعه.
وقوله : (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) أى : هؤلاء النبيون والربانيون والأحبار كانوا شهداء على أن كل ما في التوراة حق وصدق ومن عند الله فلا جرم كانوا يمضون أحكام التوراة ويحفظونها من التحريف والتغيير» (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ اليهود ـ ولا سيما علماءهم وفقهاءهم ـ أن يجعلوا خشيتهم منه وحده. وألا يبيعوا دينهم بدنياهم فقال ـ تعالى ـ : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً).
والخشية ـ كما يقول الراغب ـ خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك على علم بما يخشى منه ، ولذلك خص العلماء بها في قوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢).
وكأن الراغب ـ رحمهالله ـ يريد أن يفرق بين الخوف والخشية فهو يرى أن الخشية خوف يشوبه تعظيم ومحبة للمخشى بخلاف الخوف فهو أعم من أن يكون من مرهوب معظم محبوب أو مرهوب مبغوض مذموم.
والفاء في قوله (فَلا تَخْشَوُا) للإفصاح عن كلام مقدر.
والمعنى : إذا كان الأمر كما ذكر من أن الله ـ تعالى ـ قد أنزل التوراة لتنفيذ أحكامها ، وتطبيق تعاليمها .. فمن الواجب عليكم يا معشر اليهود أن تقتدوا بأنبيائكم وصلحائكم في ذلك ، وأن تستجيبوا للحث الذي جاء به رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم وأن تجعلوا خشيتكم منى وحدي لا من أحد من الناس ، فأنا الذي بيدي نفع العباد وضرهم.
وقوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) معطوف على قوله (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) والاشتراء هنا المراد به الاستبدال.
والمراد بالآيات : ما اشتملت عليه التوراة من أحكام وتشريعات وبشارات بالنبي صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٤
(٢) المفردات من غريب القرآن ص ١٤٩ للراغب الأصفهاني.