والنقصان. أما تلك التوراة التي بين أيديهم الآن ، والتي دخلها من التحريف ما دخلها فهي عارية عن الثقة في كثير مما اشتملت عليه من قصص وأحكام.
٢ ـ قال الفخر الرازي : «دلت الآية على أنه يحكم بالتوراة النبيون والربانيون والأحبار ، وهذا يقتضى كون الربانيين أعلى حالا من الأحبار ، فثبت أن يكون الربانيون كالمجتهدين. والأحبار كآحاد العلماء.
ثم قال : وقد احتج جماعة بأن شرع من قبلنا لازم علينا ـ إلا إذا قام الدليل على صيرورته منسوخا ـ بهذه الآية ، وتقريره أنه ـ تعالى ـ قال في التوراة هدى ونورا ، والمراد كونها هدى ونورا في أصول الشرع وفروعه ، ولو كان ما فيها منسوخا غير معتبر الحكم بالكلية لما كان فيها هدى ونور ، ولا يمكن أن يحمل الهدى والنور على ما يتعلق بأصول الدين فقط ، لأنه ذكر الهدى والنور ولو كان المراد منهما معا ما يتعلق بأصول الدين للزم التكرار ، وأيضا فإن هذه الآية إنما نزلت في مسألة الرجم فلا بد وأن تكون الأحكام الشرعية داخلة فيها لأنا ـ وإن اختلفنا في أن غير سبب نزول الآية هل يدخل فيها أم لا ـ لكنا توافقنا على أن سبب نزول الآية يجب أن يكون داخلا فيها» (١).
٣ ـ استدل العلماء بهذه الآية على أن الحاكم من الواجب عليه أن ينفذ أحكام الله دون أن يخشى أحدا سواه ، وأن عليه كذلك أن يبتعد عن أكل المحرم بكل صوره وأشكاله ، وألا يغير حكم الله في نظير أى عرض من أعراض الدنيا ، لأن الله ـ تعالى ـ يقول : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ، وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً).
وقد أشار إلى هذا المعنى صاحب الكشاف بقوله : قوله : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) نهى للحكام عن خشيتهم غير الله في حكومتهم ، وادهانهم فيها ـ أى ومصانعتهم فيها ـ وإمضائها على خلاف ما أمروا به من العدل لخشية سلطان ظالم ، أو خيفة أذية أحد من الأقرباء والأصدقاء وقوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس ، كما حرف أحبار اليهود كتاب الله وغيروا أحكامه رغبة في الدنيا وطلبا للرياسة فهلكوا» (٢).
٤ ـ قال بعض العلماء : في قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) تغليظ في الحكم بخلاف المنصوص عليه ، حيث علق عليه الكفر هنا والظلم والفسق بعد. وكفر الحاكم لحكمه بغير ما أنزل الله مقيد بقيد الاستهانة به. والجحود له ، وهذا ما سار عليه كثير من العلماء وأثروه عن عكرمة وابن عباس.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٤٠٢
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٧٣