وارتدت فرقة واحدة في عهد عمر وهي قبيلة «غسان قوم جبلة بن الأيهم» (١).
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا لا يتخذ أحد منكم أحدا من أعداء الله وليا ونصيرا لأن ولايتهم تفضى إلى مضرتكم وخسرانكم. بل وإلى ردتكم عن الحق الذي آمنتم به ، ومن يرتدد منكم عن دينه الحق إلى غيره من الأديان الباطلة فلن يضر الله شيئا ، لأنه ـ سبحانه ـ سوف يأتى بقوم آخرين مخلصين له ، ومطيعين لأوامره ، ومستجيبين لتعاليمه. بدل أولئك الذين ارتدوا على أدبارهم ، وكفروا بعد إيمانهم. قال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٢).
ولفظ (فَسَوْفَ) جيء به هنا لتأكيد وقوع الأمر في المستقبل ، إذا ما ارتد بعض الناس على أدبارهم.
وقد وصف الله ـ تعالى ـ أولئك القوم الذين يأتى بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم ، وصفهم بعدد من الصفات الحميدة ، والسجايا الكريمة.
وصفهم ـ أولا ـ بقوله : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) :
ومحبة الله ـ تعالى ـ للمؤمنين هي أسمى نعمة يتعشقونها ويتطلعون إليها ، ويرجون حصولها ودوامها. وهي ـ كما يقول الآلوسى ـ محبة تليق بشأنه على المعنى الذي أراده.
ومن علاماتها : أن يوفقهم ـ سبحانه ـ لطاعته ، وأن ييسر لهم الخير في كل شئونهم.
ومحبة المؤمنين لله ـ تعالى ـ معناها : التوجه إليه وحده بالعبادة ، واتباع نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم في كل ما جاء به ، والاستجابة لتعاليمه برغبة وشوق.
وقوله : (يُحِبُّهُمْ) جملة في محل جر صفة لقوم. وقوله «ويحبونه» معطوف على (يُحِبُّهُمْ).
وقدم ـ سبحانه ـ محبته لهم على محبتهم له ، لشرفها وسبقها ، إذ لو لا محبته لهم لما وصلوا إلى طاعته.
وصفهم ـ ثانيا ـ بقوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ).
وقوله : (أَذِلَّةٍ) جمع ذليل ، من تذلل إذا تواضع وحنا على غيره ، وليس المراد بكونهم أذلة أنهم مهانون ، بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب للمؤمنين.
وقوله : (أَعِزَّةٍ) جمع عزيز وهو المتصف بالعزة بمعنى القوة والامتناع عن أن يغلب أو يقهر
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٦٠.
(٢) سورة محمد. الآية الأخيرة.