ومنه قوله ـ تعالى ـ (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أى : غلبني في الخطاب.
والمعنى : إن من صفات هؤلاء القوم الذين يأتى الله بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم ، أنهم أرقاء على المؤمنين ، عاطفون عليهم متواضعون لهم ، تفيض قلوبهم حنوا وشفقة بهم. وأنهم في الوقت نفسه أشداء على الكافرين ، ينظرون إليهم نظرة العزيز الغالب ، لا نظرة الضعيف الخانع.
وهذه ـ كما يقول ابن كثير ـ صفات المؤمنين الكمل. أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه ، متعززا على خصمه وعدوه كما قال ـ تعالى ـ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ومن صفات الرسول صلىاللهعليهوسلم : «أنه الضحوك القتال» فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه» (١).
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين؟ قلت : فيه وجهان :
أحدهما : أن يضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل : عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع.
والثاني : أنهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين ـ خافضون لهم أجنحتهم» (٢).
وقال الطيبي : إن قوله ـ تعالى ـ (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) جيء به للتكميل ، لأنه لما وصفهم قبل ذلك بالتذلل ، ربما يتوهم أحد أنهم أذلاء محقرون في أنفسهم فدفع ذلك الوهم بأنهم مع ذلتهم على المؤمنين أعزة على الكافرين على حد قول القائل :
جلوس في مجالسهم رزان |
|
وإن ضيم ألم بهم خفاف |
ثم وصفهم ـ ثالثا ـ بقوله : (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) وقوله : (يُجاهِدُونَ) من المجاهدة وهي بذل الجهد ونهاية الطاقة من أجل الوصول إلى المقصد الذي يسعى إليه الساعى.
وقوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) أى في سبيل إعلاء دين الله ، وإعزاز كلمته وليس في سبيل الهوى أو الشيطان.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٧٠.
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٩٨.