فقوله : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) كلام مستأنف لبيان ما يجب على الحاكم أن يفعله عند الشك في أمانة الرجلين اللذين دفع إليهما الميت ما له ليوصلاه إلى أهله.
ومعنى (تَحْبِسُونَهُما) توقفونهما وتمسكونهما لأداء اليمين اللازمة عليهما والمراد بالصلاة : صلاة العصر. وقد روى ذلك عن ابن عباس وجماعة من التابعين.
قال الفخر الرازي : إنما عرف هذا التعيين بوجوه :
أحدها : أن هذا الوقت كان معروفا عندهم بالتحليف بعده ، فالتقييد بالمعروف المشهور أغنى عن التقييد باللفظ.
وثانيها : ما روى أنه لما نزلت هذه الآية صلى النبي صلىاللهعليهوسلم العصر ، ودعا بعدي وتميم فاستحلفهما عند المنبر فصار فعل الرسول دليلا على التقييد.
وثالثها : أن جميع أهل الأديان يعظمون هذا الوقت ويذكرون الله فيه ، ويحترزون عن الحلف الكاذب (١).
وقال الزهري : المراد بالصلاة ، الصلاة مطلقا : وإنما كان الحلف بعد الصلاة ، لأنها داعية إلى النطق بالصدق ، وناهية عن الكذب والزور.
أى : توقفون ـ أيها المسلمون ـ هذين الرجلين بعد الصلاة لأداء اليمين (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) أى : فيحلفان بالله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) في صدقهما ، بأن يقولا : (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) أى : لا نحصل بيمين الله عرضا من أعراض الدنيا ، ولو كان من نقسم له ونشهد عليه قريبا لنا.
(وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) أى : ولا نكتم الشهادة التي أمرنا الله بإظهارها وأدائها (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) أى : إنا إذا لنكونن معدودين من المستقرين في الذنوب والآثام إن كتمناها وبدلناها عن وجهها الصحيح.
وقوله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) شرط لا يتوجه تحليف الشاهدين إلا به ، ومتى لم يقع ريب ولا اختلاف فلا يمين.
وجواب الشرط محذوف للعلم به مما قبله. أى : إن ارتبتم فحلفوهما.
والضمير في قوله : (بِهِ) يعود إلى القسم المفهوم من قوله : (فَيُقْسِمانِ) أى : فيقسمان بالله لا نشتري بصحة القسم ثمنا مهما كان هذا الثمن.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ١١٧