ويصح أن يكون مبتدأ والخبر محذوف. أى : فيما أمرتم به أن يشهد اثنان : ويكون قوله (اثْنانِ) فاعلا لقوله (شَهادَةُ) وعليه تكون إضافة قوله (شَهادَةُ) إلى الظرف وهو (بَيْنِكُمْ) على التوسع.
قال القرطبي : قوله (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) قيل : معناه شهادة ما بينكم فحذفت «ما» وأضيفت الشهادة إلى الظرف ، ، واستعمل اسما على الحقيقة ، وهو المسمى عند النحويين بالمفعول على السعة. ومنه قوله ـ تعالى ـ (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) أى ، : ما بيني وبينك» والمراد بقوله : (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ظهور أماراته وعلاماته وهو ظرف متعلق بقوله : «شهادة».
وقوله : (حِينَ الْوَصِيَّةِ) بدل من الظرف. وفي هذا الإبدال تنبيه على أن الوصية لا ينبغي أن يتهاون فيها.
وقوله : (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) صفة لقوله (اثْنانِ) وقوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) معطوف على قوله (اثْنانِ).
والمراد من غير المسلمين ، ويرى بعضهم أن المراد بقوله (مِنْكُمْ) أى : من قبيلتكم ، وبقوله : (مِنْ غَيْرِكُمْ) أى : من غير قبيلتكم.
وقوله : (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) بيان لمكان الوصية وزمانها.
والمراد بالضرب في الأرض السفر فيها وقيل للمسافر ضارب في الأرض لأنه يضربها برجليه أو بعصاه.
والمراد بقوله : (فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) أى : فقاربتم نهاية أجلكم بأن أحسستم بدنو الموت منكم. فليس المراد الموت بالفعل وإنما المراد مشارفته ومقاربته.
وسمى ـ سبحانه ـ الموت مصيبة ، لأنه بطبيعته يؤلم ، أو يصحبه أو يقاربه أو يسبقه آلام نفسية.
قال القرطبي : وفي الكلام حذف تقديره إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ، فأوصيتم إلى اثنين عدلين في ظنكم ودفعتم إليهما ما معكم من المال ، ثم متم وذهبا إلى ورثتكم بالتركة فارتابوا في أمرهما ، وادعو عليهما خيانة ، فالحكم أن تحبسوهما من بعد الصلاة ، أى تستوثقوا منهما» (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٥٢