قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(١١٥)
قال ابن كثير ما ملخصه : وقوله (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) هذا أيضا من الامتنان على عيسى ، بأن جعل الله له أصحابا وأنصارا ـ وهم الحواريون ـ والمراد بهذا الوحى الإلهام كما في قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) وكما في قوله (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) وقال بعض السلف في هذه الآية (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أى : ألهموا ذلك فامتثلوا ما ألهموا (١).
فأنت ترى أن الإمام ابن كثير يرى أن المراد بالوحي هنا الإلهام. وعلى ذلك كثير من المفسرين ، ومنهم من يرى أن المراد بقوله (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أى : أمرتهم في الإنجيل على لسانك أو أمرتهم على ألسنة رسلي.
قال الآلوسى معززا هذا الرأى : وقد جاء استعمال الوحى بمعنى الأمر في كلام العرب ، كما قال الزجاج وأنشد :
الحمد لله الذي استقلت |
|
بإذنه السماء واطمأنت |
أوحى لها القرار فاستقرت
أى : أمرها أن تقر فامتثلت (٢).
والحواريون جمع حوارى. وهم أنصار عيسى الذين لازموه وآمنوا به وصدقوه. وكانوا عونا له في الدعوة إلى الحق.
يقال : فلان حوارى فلان. أى : خاصته من أصحابه. ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم في الزبير بن العوام : لكل نبي حوارى وحوارى الزبير».
وأصل مادة «حور» الدلالة على شدة الصفاء ونصوع البياض ، ولذلك قالوا في خالص لباب الدقيق : الحوارى وقالوا في النساء البيض : الحواريات والحواريات.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١١٤
(٢) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٥٨