وقد سمى الله ـ تعالى ـ أنصار عيسى بالحواريين ، لأنهم أخلصوا لله نياتهم ، وطهروا نفوسهم من النفاق والخداع فصاروا في نقائهم وصفائهم كالشىء الأبيض الخالص البياض.
قال الراغب : والحواريون أنصار عيسى ـ عليهالسلام ـ قيل كانوا صيادين وقال بعض العلماء إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم (١).
والمعنى : اذكر نعمتي عليك ـ يا عيسى ـ حين (أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) بطريق الإلهام أو بطريق الأمر على لسانك ، وقلت لهم : (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) أى : آمنوا وصدقوا بأنى أنا الواحد الأحد المستحق للعبادة والخضوع وآمنوا برسولي عيسى بأنه مرسل من جهتي لهدايتكم وسعادتكم.
وفي ذكر كلمة (بِرَسُولِي) إشارة إلى مقامه من الله ـ عزوجل ـ وانفصال شخصه عن ذات الله ـ سبحانه ـ وأن عيسى ما هو إلا رسول من رب العالمين وأن من زعموا أنه غير ذلك جاهلون وضالون.
وقوله : (قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) حكاية لما نطق به الحواريون من إيمان وطاعة.
أى : أن الحواريين عند ما دعوا إلى الدين الحق (قالُوا آمَنَّا) بأن الله هو الواحد الأحد المستحق للعبادة وأنه لا والد له ولا ولد. ثم أكدوا إيمانهم هذا ، بأن قالوا (وَاشْهَدْ) علينا يا إلهنا واشهد لنا يا عيسى يوم القيامة (بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) أى : منقادون لكل ما جئتنا به وما تدعونا إليه.
وقدموا ذكر الإيمان لأنه صفة القلب ، وأخروا ذكر الإسلام لأنه عبارة عن الانقياد الظاهر فكأنهم قالوا : لقد استقر الإيمان في قلوبنا استقرارا مكينا ، كان من ثماره أن انقادت ظواهرنا لكل ما يأمرنا الله به على لسانك يا عيسى.
قال الفخر الرازي ما ملخصه : فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ قال في أول الآية (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) ثم إن جميع ما ذكره ـ تعالى ـ من النعم مختص بعيسى ، وليس لأمه تعلق بشيء منها. قلنا : كل ما حصل للولد من النعم الجليلة والدرجات العالية فهو حاصل على سبيل التضمن والتبع للأم ولذلك قال ـ تعالى ـ (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر.
وإنما ذكر ـ سبحانه قوله (وَإِذْ أَوْحَيْتُ) في معرض تعديد النعم لأن صيرورة الإنسان مقبول القول عند الناس محبوبا في قلوبهم ، من أعظم نعم الله على الإنسان.
__________________
(١) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص ١٣٥