صَعِيداً طَيِّباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة ببيان بعض مظاهر رحمته بعباده ، ورعايته لمصالحهم فقال ـ تعالى (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ، وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
أى : ما يريد الله ـ تعالى ـ بما فرض عليكم من الوضوء إذا قمتم إلى الصلاة ومن الغسل بعد الجنابة ، ومن الأمر بالتيمم عند وجود أسبابه ، ما يريد ـ سبحانه ـ بذلك (لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) أى ضيق ومشقة وعسر ، ولكن يريد بذلك ليطهركم.
أى : ليطهر نفوسكم من الأرجاس الحسية والمعنوية وليزيل عنها ما علق بها من ذنوب وأوساخ ، ويريد بذلك أيضا (لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) بما شرع لكم من أحكام ميسرة ومن آداب عالية ، ومن تكاليف جليلة لكي تشكروه على نعمه وإحسانه وتشريعاته ، لأنكم متى شكرتم زادكم من فضله ومننه.
وعبر ـ سبحانه ـ عن نفى الحرج بنفي إرادته ، مبالغة في بيان رأفته ـ سبحانه ـ بعباده ، ورعايته لمصالحهم. فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : ما كان من شأن الله ـ تعالى ـ مع عباده أن يشرع لهم ما فيه مشقة أو حرج.
وقوله (لِيَجْعَلَ) يحتمل أن يكون الجعل بمعنى الخلق والإيجاد فيتعدى لواحد وهو قوله : (مِنْ حَرَجٍ) وتكون (مِنَ) زائدة لتأكيد النفي وقوله (عَلَيْكُمْ) متعلق بالجعل. ويحتمل أن يكون بمعنى التصيير فيكون قوله (عَلَيْكُمْ) هو المفعول الثاني ، وقوله : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) استدراك قصد به بيان بعض مظاهر رحمته ـ سبحانه ـ بالمؤمنين ومحبته لسعادتهم ولتزكية نفوسهم وتطهيرها من الذنوب والأدران كما قصد به حضهم على مداومة شكره حتى يزيدهم من فضله.
وقريب من معنى هذه الجملة قوله ـ تعالى ـ (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٢). وقوله ـ تعالى ـ (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) وقوله تعالى ـ (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٤).
وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت للمؤمنين ما يجب عليهم أن يفعلوه إذا ما أرادوا
__________________
(١) راجع تفسيرنا لسورة النساء الآية ٤٣
(٢) سورة البقرة الآية ١٨٥
(٣) سورة الحج الآية ٧٨
(٤) سورة النساء الآية ٢٨