جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١٣)
قال الفخر الرازي : قوله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ، وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) اعلم أن في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه :
الأول : أنه ـ تعالى ـ خاطب المؤمنين فيما تقدم فقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا). ثم ذكر الآن أنه أخذ الميثاق من بنى إسرائيل لكنهم نقضوه وتركوا الوفاء به ، فلا تكونوا ـ أيها المؤمنون ـ مثلهم في هذا الخلق الذميم.
الثاني : أنه لما ذكر قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) وقد ذكرت بعض الروايات أنها نزلت في اليهود ، وأنهم أرادوا إيقاع الشر بالمؤمنين. فلما ذكر ـ سبحانه ذلك أتبعه بذكر فضائحهم ، وبيان أنهم كانوا أبدا مواظبين على نقض العهود والمواثيق.
الثالث : أن الغرض من الآيات المتقدمة ترغيب المكلفين في قبول التكاليف وترك التمرد والعصيان. فذكر ـ سبحانه ـ أنه كلف من كان قبل المسلمين كما كلفهم ليعلموا أن عادة الله في التكليف والإلزام غير مخصوصة بهم ، بل هي عادة جارية له مع جميع عباده» (١).
والميثاق : العهد الموثق المؤكد ، مأخوذ من لفظ وثق المتضمن معنى الشد والربط على الشيء بقوة وإحكام.
والمراد به : ما أخذه الله على بنى إسرائيل لكي يؤدوا ما أوجب عليهم من تكاليف ولكي يعملوا بما تضمنته التوراة من أحكام وتشريعات وغير ذلك مما جاء فيها.
والنقيب : كبير القوم. والكفيل عليهم والمنقب عن أحوالهم وأسرارهم فيكون شاهدهم
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ١٨٣