و «ما» مزيدة لتوكيد الكلام وتمكينه في النفس والجار والمجرور ـ متعلق بقوله : (لَعَنَّاهُمْ) وقوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) معطوف على ما قبله وقوله : (قاسِيَةً) بوزن فاعلة ـ من القسوة بمعنى الصلابة واليبوسة يقال : قسا قلبه يقسو فهو قاس ، إذا غلظ واشتد وصار يابسا صلبا وقساوة القلب هنا مجاز عن عدم تأثره بالمواعظ والترغيب والترهيب أى فبسبب جرائمهم الشديدة أبعدناهم من رحمتنا وجعلنا قلوبهم يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق ولا تتأثر بالمواعظ والنذر.
وقرأ حمزة والكسائي : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) بتشديد الياء من غير ألف على وزن فعيلة. وللمفسرين في معناها رأيان :
أحدهما : أن (قسية) بمعنى قاسية ، غير أن فيها مبالغة ، إذ هي على وزن فعيلة ، وهذه الصفة تدل على تمكن صفة القسوة من قلوبهم.
والثاني : أن معنى (قسية) هنا غير معنى قاسية ، لأن قسية في هذا الموضع مأخوذة من قولهم : درهم قسى ـ على وزن شقي ـ أى : فاسد رديء لأنه مغشوش بنحاس أو غيره مما يخلو منه الدرهم السليم.
والمعنى على هذا الوجه : وجعلنا قلوبهم إيمانها ليس خالصا وإنما يخالطه كفر ونفاق كالدراهم القسية التي يخالط فضتها غش من نحاس أو رصاص أو غيرهما.
وقد رجح ابن جرير الرأى الأول ـ وهو أن قسية بمعنى قاسية غير أن فيها مبالغة ـ فقال (وأولى التأويلين عندي بالصواب تأويل من تأول فعيلة من القسوة كما قيل : نفس زكية وزاكية ، وامرأة شاهدة وشهيدة ، لأن الله ـ تعالى ـ وصف القوم بنقضهم ميثاقهم ، وكفرهم به ، ولم يصفهم بشيء من الإيمان فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها يخالطه كفر كالدراهم القسية التي يخالط فضتها غش) (١) وأما صاحب الكشاف فقد رد التفسير الثاني إلى الأول وجعل بينهما تعانقا وتلازما في المعنى فقال : وقرأ عبد الله (قسية) أى : ردية مغشوشة. من قولهم : درهم قسى وهو من القسوة ، لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين ، والمغشوش فيه يبس وصلابة» (٢).
وقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) استئناف مبين لشدة قساوة قلوبهم ، فإنه لا قسوة
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ١٥٥
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦١٥