أشد من تحريف كلام الله ـ تعالى ـ والميل به عن الحق والصواب.
أى : أنهم بلغ بهم الحال في قسوة قلوبهم ، وعدم تأثرها بوعيد الله أنهم يميلون كلامه ـ سبحانه ـ عن الموضع الذي نزل فيه ولأجله عن طريق التأويل الباطل ، أو التفسير الفاسد ، أو التبديل للألفاظ بالزيادة تارة وبالنقصان أخرى ، على حسب ما تمليه عليهم أهواؤهم وشهواتهم الممقوتة وعبر ـ سبحانه ـ بقوله : (يُحَرِّفُونَ) بصيغة الفعل المضارع ، لاستحضار صورة هؤلاء المحرفين. والدلالة على أن أبناءهم قد نهجوا نهج آبائهم في هذا الخلق الذميم.
فإن هذا التحريف الذي حكاه الله ـ تعالى ـ في هذه الآية قد كان من بنى إسرائيل بعد عهد موسى ـ عليهالسلام ـ واستمروا على ذلك دون أن يصدهم عنه ما كان من نصح النبي صلىاللهعليهوسلم لهم ومن تحذيره إياهم.
والمراد بالنسيان في قوله : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) الترك والإهمال قال الراغب : (النسيان : ترك الإنسان ضبط ما استودع. إما لضعف قلبه ، وإما عن غفلة ، وإما عن قصد حتى يزول عن القلب ذكره).
والأنواع الثلاثة التي ذكرها الراغب كأسباب للنسيان قد فعلها بنو إسرائيل فهم قد أصابتهم الغفلة عن تدبر كتابهم والعمل بما فيه بسبب ضعف قلوبهم ، واستيلاء المطامع والشهوات عليها وأهملوا أمر دينهم وشريعتهم ولم يقيدوا أنفسهم بها عن تعمد وإصرار ، لأن تنفيذها يكلفهم الاستقامة على دين الله وهذا ما تأباه نفوسهم الجامحة وشهواتهم العارمة.
والتنكير في قوله : (حَظًّا) للتكثير والتهويل. أى : تركوا نصيبا كبيرا مما أمرتهم به شريعتهم وذكرتهم به توراتهم من وجوب اتباعهم للحق وإيمانهم بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عند ظهوره.
وهذه الجملة الكريمة وما يشبهها مما أورده القرآن في هذا المعنى تعتبر من المعجزات الدالة على صدق القرآن الكريم فإن الناس قبل البعثة النبوية الشريفة لم يكونوا يعرفون أن اليهود نسوا حظا كبيرا مما ذكرتهم به توراتهم. فلما بين القرآن ذلك ، عرفوا ما لم يكونوا يعرفونه من قبل.
ولما كانت أخلاق الآباء كثيرا ما يتوارثها الأبناء ، فقد رأينا القرآن الكريم يحذر النبي صلىاللهعليهوسلم من اليهود المعاصرين له ، والذين ورثوا رذائل آبائهم فقال : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ).
وقوله (خائِنَةٍ) بمعنى الخيانة أى عدم الوفاء بالعهد. فهي مصدر على وزن فاعله كالعافية والطاغية. قال ـ تعالى ـ (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) أى بالطغيان. ويحتمل أن يكون قوله