(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء النصارى الذين قالوا : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) ، قل لهم على سبيل الإنكار والتوبيخ والتجهيل : من ذا الذي يملك من أمر الله وإرادته شيئا يدفع به الهلاك عن المسيح وعن أمه وعن سائر أهل الأرض ، إن أراد الله ـ سبحانه ـ أن يهلكهم ويبيدهم؟ لا شك أن أحدا لن يستطيع أن يمنع إرادته ـ سبحانه ـ لأنه هو المالك لأمر الوجود كله ، ولا يملك أحد من أمره شيئا يستطيع به أن يصرفه عن عمل يريده ؛ أو يحمله على أمر لا يريده ، أو يستقل بعمل دونه. ومادام الأمر كذلك فدعوى أن الله هو المسيح ابن مريم ظاهرة البطلان ، لأن المسيح وأمه من مخلوقات الله التي هي قابلة لطروء الهلاك والفناء عليها. وحاشا للمخلوق الفاني أن يكون إلها وإنما الألوهية لله الخالق الباقي (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ، تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) قال الإمام الرازي ما ملخصه : «احتج ـ سبحانه ـ على فساد ما ذهب إليه النصارى بقوله : (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). وهذه جملة شرطية قدم فيها الجزاء على الشرط.
والتقدير : إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا فمن الذي يقدر على أن يدفعه عن مراده ومقدوره. وقوله (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أى : فمن يملك من أفعال الله شيئا والملك هو القدرة. يعنى فمن الذي يقدر على دفع شيء من أفعال الله ـ تعالى ـ ومنع شيء من مراده.
وقوله : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) يعنى : أن عيسى مشاكل لمن في الأرض في الصورة والخلقة والجسمية والتركيب وتغيير الصفات والأحوال ، فلما سلّم كونه ـ تعالى ـ خالقا للكل مدبرا للكل وجب أن يكون أيضا خالقا لعيسى» (١).
وفي توجيه الأمر إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم للرد عليهم تثبيت له وتقوية لحجته حتى يبطل قولهم الفاسد إبطالا يزداد معه المؤمنون إيمانا بالحق الذي آمنوا به.
قال أبو السعود : وإنما نفيت المالكية المذكورة بالاستفهام الإنكارى عن أحد مع تحقيق الإلزام والتبكيت لا بنفيها عن المسيح فقط ، لتحقيق الحق بنفي الألوهية عن كل ما عداه ـ سبحانه ـ وإثبات المطلوب في ضمنه بالطريق البرهاني.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ١٩١. طبعة عبد الرحمن محمد