وتعميم إرادة الإهلاك للكل ـ مع حصول المطلوب بقصرها على المسيح ـ لتهويل الخطب ، وإظهار كمال العجز ببيان أن الكل تحت قهره ـ تعالى ـ وملكوته. لا يقدر أحد على دفع ما أريد به. فضلا عن دفع ما أريد بغيره.
وللإيذان بأن المسيح أسوة لسائر المخلوقات في كونه عرضة للهلاك ، كما أنه أسوة لها فيما ذكر من العجز ، وعدم استحقاق الألوهية» (١).
وتخصيص الأم بالذكر مع اندراجها في عموم المعطوف ، لزيادة تأكيد عجز المسيح ، وأنه هو وأمه عبدان من عباد الله لا يقدران على رفع الهلاك عنهما.
وعطف عليهما قوله (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من باب عطف العام على الخاص ، ليكونا قد ذكرا مرتين. مرة بالنص عليهما. ومرة بالاندراج في العام ، وذلك على سبيل التوكيد والمبالغة في تعلق نفاذ الإرادة فيهما.
وقوله (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) تأكيد لاختصاص الألوهية به ـ تعالى ـ إثر بيان انتفائها عما سواه.
أى : ولله ـ تعالى ـ وحده دون أن ينازعه منازع. أو يشاركه مشارك ، ملك جميع الموجودات ، والتصرف المطلق فيها ، إيجادا وإعداما ، وإحياء وإماتة. فهو المالك للسموات وما فيها وللأرض وما عليها ، ولما بينهما من فضاء تجرى فيه السحب بأمره ، ويطير فيه الطير بإذنه وقدرته. وما المسيح وأمه إلا من جملة ما في الأرض ، فهما عبدان من عباد الله يدينان له ـ سبحانه ـ بالعبادة والطاعة والخضوع.
وقال ـ سبحانه ـ (وَما بَيْنَهُما) ولم يقل وما بينهن مع أن السموات بلفظ الجمع ، لأن المراد بالسموات والأرض النوعان أو الصنفان.
أى : ولله ـ تعالى ـ وحده ملك السموات والأرض وما بين هذين النوعين من مخلوقات خاضعة لمشيئة الله وقدرته.
وقوله (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعترى النصارى من شبه في أمر المسيح لولادته من غير أب ، وإحيائه الموتى ، وإبرائه الأكمه والأبرص ، كل ذلك بإذن الله.
أى أنه ـ سبحانه ـ يخلق ما يشاء أن يخلقه من أنواع الخلق بالكيفية التي يريدها تبعا لمشيئته وإرادته.
__________________
(١) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ١٧ طبعة صبيح.