ما لا يليق بعظمته ـ سبحانه ـ.
قال الآلوسى : ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : «ومرادهم بالأبناء : المقربون. أى نحن مقربون عند الله ـ تعالى ـ قرب الأولاد من والدهم. ومن مرادهم بالأحباء : جمع حبيب بمعنى محب أو محبوب. ويجوز أن يكون أرادوا من الأبناء الخاصة ، كما يقال : أبناء الدنيا وأبناء الآخرة. ويجوز أن يكونوا أرادوا بما قالوا أنهم أشياع وأتباع من وصف بالبنوة. أى قالت اليهود : نحن أشياع ابنه عزير. وقالت النصارى : نحن أشياع ابنه عيسى. وأطلق الأبناء على الأشياع مجازا إما تغليبا أو تشبيها لهم بالأبناء في قرب المنزلة. وهذا كما يقول أتباع الملك : نحن الملوك.
وقيل الكلام على حذف المضاف. أى : نحن أبناء أنبياء الله ـ تعالى ـ وهو خلاف الظاهر. ومقصود الفريقين بقوله ـ تعالى ـ حكاية عنهم (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) هو المعنى المتضمن مدحا ، وحاصل دعواهم أن لهم فضلا ومزيد عند الله ـ تعالى ـ على سائر الخلق» (١).
والمعنى : وقالت طائفة اليهود التي تزعم أنها شعب الله المختار ، وقالت طائفة النصارى التي تزعم أنها على الحق دون غيرهم قالت كل طائفة منهما : نحن في القرب من الله ـ تعالى ـ بمنزلة أبنائه المدللين ، وأحبائه المختارين ، فلنا من الفضل والمنزلة والتكريم ما ليس لغيرنا من البشر.
والذي حملهم على هذا القول الباطل ، جهلهم بما اشتملت عليه كتبهم ، وتخبطهم في الكفر والضلال وفهمهم السقيم لمعانى الألفاظ.
قال ابن كثير : «ونقلوا عن كتبهم أن الله ـ تعالى ـ قال لعبده إسرائيل : أنت ابني بكرى. فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه. وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلّم من عقلائهم. وقالوا هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام. كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم. إنى ذاهب إلى أبى وأبيكم ، يعنى : ربي وربكم. ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من البنوة ما ادعوها في عيسى ـ عليهالسلام ـ وإنما أرادوا بذلك معزتهم لديه ، وحظوتهم عنده ، ولهذا قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (٢).
وعطف ـ سبحانه ـ قولهم : (وَأَحِبَّاؤُهُ) على قولهم (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) للإشارة إلى غلوهم في الجهل والغرور ، حيث قصدوا أنهم أبناء محبوبون وليسوا مغضوبا عليهم من أبيهم بل هم محل رضاه وإكرامه.
وقد أمر الله ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يرد عليهم بما يكبتهم فقال : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٠٠
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٤ طبعة عيسى الحلبي.