خيرا منه ، وإذا سقى لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه ، وزدنا منه ، فإنه ليس شيء يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن».
ثم قال الإمام القرطبي : قال علماؤنا : فكيف لا يكون كذلك ، وهو أول ما يغتذى به الإنسان ، وتنمو به الأبدان ، فهو قوت به قوام الأجسام ، وقد جعله الله ـ تعالى ـ علامة لجبريل على هداية هذه الأمة ، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن. فقال لي جبريل : اخترت الفطرة ...» (١).
ثم انتقلت السورة الكريمة الى الحديث عن نعمة أخرى من نعم الله التي لا تحصى ، وهي نعمة ثمرات النخيل والأعناب ، فقال ـ تعالى ـ : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ...).
قال الجمل ما ملخصه : قوله ـ سبحانه ـ : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ ..) خبر مقدم ، ومن تبعيضية ، والمبتدأ محذوف تقديره ثمر ، وقوله (تَتَّخِذُونَ) نعت لهذا المبتدأ المحذوف ، أى : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا.
ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف ، والتقدير : ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب ، أى : من عصيرهما ، وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه ، وقوله (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) بيان وكشف عن كيفية الإسقاء.
والضمير في قوله (مِنْهُ) يعود على المضاف المحذوف الذي هو العصير ، أو على المبتدأ المحذوف وهو الثمر (٢).
والسكر ـ بفتح السين والكاف ـ اسم من أسماء الخمر ، يقال : سكر فلان ـ بوزن فرح ـ يسكر سكرا ، إذا غاب عقله وإدراكه فهو سكران وسكر ـ بفتح السين وكسر الكاف ـ.
وأما الرزق الحسن ، فالمراد به ما كان حلالا من ثمرات النخيل والأعناب كالتمر والزبيب وغير ذلك مما أحله الله ـ تعالى ـ من ثمارهما.
وعلى هذا المعنى سار جمهور العلماء من السلف والخلف.
قال الآلوسى ما ملخصه : والسكر : الخمر. قال الأخطل :.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٢٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٨٠.