أى : إنكم بنسبتكم البنات إلى الله ـ تعالى ـ ، لتقولون قولا عظيما في قبحه وشناعته ، وفي استهجان العقول السليمة له ، وفيما يترتب عليه من عقوبات أليمة من الله ـ تعالى ـ لكم.
قال ـ تعالى ـ : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً ، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هذا القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم قد اشتمل على ألوان متعددة من الهدايات والآداب والأحكام ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا ، وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً).
وقوله ـ تعالى ـ : (صَرَّفْنا) من التصريف وهو في الأصل صرف الشيء من حالة إلى أخرى ، ومن جهة إلى أخرى.
والمراد به هنا : بينا ، وكررنا ، ومفعوله محذوف للعلم به.
والمعنى : ولقد بينا وكررنا في هذا القرآن أنواعا من الوعد والوعيد ، والقصص ، والأمثال ، والمواعظ والأخبار ، والآداب والتشريعات ، ليتذكر هؤلاء الضالون ويتعظوا ويعتبروا ، ويوقنوا بأنه من عند الله ـ تعالى ـ فيهديهم ذلك إلى اتباع الحق ، والسير في الطريق القويم.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) تصوير بديع لإصرارهم على كفرهم وعنادهم ، وإيثارهم الغي على الرشد.
والنفور : التباعد والإعراض عن الشيء. يقال : نفرت الدابة تنفر ـ بكسر الفاء وضمها ـ نفورا ، إذا جزعت وتباعدت وشردت.
أى : وما يزيدهم هذا البيان والتكرار الذي اشتمل عليه القرآن الكريم ، إلا تباعدا عن الحق ، وإعراضا عنه ، وعكوفا على باطلهم ، بسبب جحودهم وعنادهم وحسدهم للرسول صلىاللهعليهوسلم على ما آتاه الله من فضله.
__________________
(١) سورة مريم الآيات من ٨٨ ـ ٩٥.