وكان بعض الصالحين إذا قرأ هذه الآية قال : زادني لك خضوعا ، ما زاد أعداءك نفورا.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يوبخهم على شركهم ، وأن يسوق لهم الدليل الواضح على فساد عقولهم ، فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ ، إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً).
وقد قرأ جمهور القراء «كما تقولون» وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم «كما يقولون».
وللمفسرين في تفسير هذه الآية اتجاهان ، أما الاتجاه الأول فيرى أصحابه أن المعنى.
قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى ـ كما يزعمون ـ إذا لطلبوا إلى ذي العرش ـ وهو الله عزوجل ـ طريقا وسبيلا لتوصلهم إليه ، لكي ينازعوه في ملكه ، ويقاسموه إياه ، كما هي عادة الشركاء ، وكما هو ديدن الرؤساء والملوك فيما بينهم.
قال ـ تعالى ـ : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (١).
وقال سبحانه ـ : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ، فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٢).
وهذا الاتجاه قد صدر به صاحب الكشاف كلامه فقال ما ملخصه : قوله (إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو. أى : إذا لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالية ، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض .. (٣).
وأما الاتجاه الثاني فيرى أصحابه أن المعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى ـ كما يزعمون ـ ، إذا لابتغوا ـ أى الآلهة المزعومة ـ إلى ذي العرش سبيلا وطريقا ليقتربوا إليه ، ويعترفوا بفضله ، ويخلصوا له العبادة ، كما قال ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ، وَيَخافُونَ عَذابَهُ ، إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (٤).
__________________
(١) سورة المؤمنون الآية ٩١.
(٢) سورة الأنبياء الآية ٢٢.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٥١.
(٤) سورة الإسراء الآية ٥٧.