ومن المقطوع به أن ذا القرنين هذا : ليس هو الإسكندر المقدونى الملقب بذي القرنين. تلميذ أرسطو ، فإن الإسكندر هذا كان وثنيا .. بخلاف ذي القرنين الذي تحدث عنه القرآن ، فإنه كان مؤمنا بالله ـ تعالى ـ ومعتقدا بصحة البعث والحساب.
والرأى الراجح أنه كان عبدا صالحا ، ولم يكن نبيا.
ويرى بعضهم أنه كان بعد موسى ـ عليهالسلام ـ ، ويرى آخرون غير ذلك ومن المعروف أن القرآن الكريم يهتم في قصصه ببيان العبر والعظات المستفادة من القصة ، لا ببيان الزمان أو المكان للأشخاص.
وسمى بذي القرنين ـ على الراجح ـ لبلوغه في فتوحاته قرني الشمس من أقصى المشرق والمغرب.
والمعنى : ويسألك قومك ـ يا محمد ـ عن خبر ذي القرنين وشأنه.
«قل» لهم ـ على سبيل التعليم والرد على تحديهم لك. «سأتلو عليكم منه ذكرا».
والضمير في «منه» يعود على ذي القرنين و «من» للتبعيض.
أى : قل لهم : سأتلو عليكم من خبره ـ وسأقص عليكم من أنبائه عن طريق هذا القرآن الذي أوحاه الله إلى ما يفيدكم ويكون فيه ذكرى وعبرة لكم إن كنتم تعقلون.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أعطاه الله لذي القرنين من نعم فقال : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً. فَأَتْبَعَ سَبَباً).
وقوله : «مكنا» من التمكين بمعنى إعطائه الوسائل التي جعلته صاحب نفوذ وسلطان في أقطار الأرض المختلفة. والمفعول محذوف ، أى : إنا مكنا له أمره من التصرف فيها كيف يشاء. بأن أعطيناه سلطانا وطيد الدعائم ، وآتيناه من كل شيء أراده في دنياه لتقوية ملكه «سببا» أى سبيلا وطريقا يوصله إلى مقصوده ، كآلات السير ، وكثرة الجند ، ووسائل البناء والعمران.
وهذه الأسباب التي أعطاها الله إياه ، لم يرد حديث صحيح بتفصيلها ، فعلينا أن نؤمن بأن الله ـ تعالى ـ قد أعطاه وسائل عظيمة لتدعيم ، ملكه ، دون أن نلتفت إلى ما ذكره هنا بعض المفسرين من إسرائيليات لا قيمة لها.
والفاء في قوله (فَأَتْبَعَ سَبَباً) فصيحة. أى : فأراد أن يزيد في تدعيم ملكه ، فسلك طريقا لكي يوصله إلى المكان الذي تغرب فيه الشمس.