(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) أى حتى إذا وصل إلى منتهى الأرض المعمورة في زمنه من جهة المغرب.
(وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أى : رآها في نظره عند غروبها ، كأنها تغرب في عين مظلمة ، وإن لم تكن هي في الحقيقة كذلك.
وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس ماء فإنه يراها كأنها تشرق منه وتغرب فيه ، كما أن الذي يكون في أرض ملساء واسعة ، يراها كأنها تطلع من الأرض وتغيب فيها.
وحمئة : أى : ذات حمأة وهي الطين الأسود. يقال : حمأت البئر تحمأ حمأ ، إذا صارت فيها الحمأة وهي الطينة السوداء.
وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : «وجدها نغرب في عين حامية» أى : حارة. اسم فاعل من حمى يحمى حميا.
(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) أى : ووجد عند تلك العين على ساحل البحر قوما.
الظاهر أن هؤلاء القوم كانوا من أهل الفترة ، فدعاهم ذو القرنين إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وحده ، فيهم من آمن وفيهم من كفر ، فخيره الله ـ تعالى ـ فيهم فقال : (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً).
أى : قال الله ـ تعالى ـ له عن طريق الإلهام ، أو على لسان ملك أخبره بذلك : يا ذا القرنين إما أن تعذب هؤلاء القوم الكافرين أو الفاسقين بالقتل أو غيره ، وإما أن تتخذ فيهم أمرا ذا حسن ، أو أمرا حسنا ، تقتضيه المصلحة والسياسة الشرعية.
ثم حكى الله ـ تعالى ـ عنه في الجواب ما يدل على سلامة تفكيره ، فقال : (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ..) أى : قال ذو القرنين في الرد على تخيير ربه له في شأن هؤلاء القوم ، يا رب : أما من ظلم نفسه بالإصرار على الكفر والفسوق والعصيان «فسوف نعذبه» في هذه الدنيا بالقتل وما يشبهه. ثم يرد هذا الظالم نفسه إلى ربه ـ سبحانه ـ فيعذبه في الآخرة عذابا «نكرا» أى : عذابا فظيعا عظيما منكرا وهو عذاب جهنم.
«وأما من آمن وعمل عملا صالحا» يقتضيه إيمانه «فله» في الدارين «جزاء الحسنى» أى : فله المثوبة الحسنى ، أو الفعلة الحسنى وهي الجنة.
«وسنقول له» أى لمن آمن وعمل صالحا «من أمرنا» أى مما نأمره به قولا «يسرا» لا صعوبة فيه ولا مشقة ولا عسر.