فأنت ترى أن ذا القرنين قد رد بما يدل على أنه قد اتبع في حكمه الطريق القويم ، والأسلوب الحكيم ، الذي يدل على قوة الإيمان ، وصدق اليقين ، وطهارة النفس.
إنه بالنسبة للظالمين ، يعذب ، ويقتص ، ويرهب النفوس المنحرفة ، حتى تعود إلى رشدها ، وتقف عند حدودها.
وبالنسبة للمؤمنين الصالحين ، يقابل إحسانهم بإحسان وصلاحهم بصلاح واستقامتهم بالتكريم والقول الطيب ، والجزاء الحسن.
وهكذا الحاكم الصالح في كل زمان ومكان : الظالمون والمعتدون .. يجدون منه كل شدة تردعهم وتزجرهم وتوقفهم عند حدودهم.
والمؤمنون والمصلحون يجدون منه كل تكريم وإحسان واحترام وقول طيب.
وقوله : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) بيان لما فعله بعد أن بلغ مغرب الشمس.
أى : وبعد أن بلغ مغرب الشمس ، ونال مقصده ، كر راجعا من جهة غروب الشمس إلى جهة شروقها.
(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) أى : حتى إذا كر راجعا وبلغ منتهى الأرض المعمورة في زمنه من جهة المشرق.
(وَجَدَها) أى الشمس (تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) أى : لم نجعل لهم من دون الشمس ما يستترون به من البناء أو اللباس ، فهم قوم عراة يسكنون الأسراب والكهوف في نهاية المعمورة من جهة المشرق.
وقوله : (كَذلِكَ) خبر لمبتدأ محذوف ، أى : أمر ذي القرنين كذلك من حيث إنه آتاه الله من كل شيء سببا ، فبلغ ملك مشارق الأرض ومغاربها.
وقوله (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) بيان لشمول علم الله ـ تعالى ـ بأحوال ذي القرنين الظاهرة والباطنة ولأحوال غيره.
أى : كذلك كان شأن ذي القرنين. وقد أحطنا إحاطة تامة وعلمنا علما لا يعزب عنه شيء ، بما كان لدى ذي القرنين من جنود وقوة وآلات ... وغير ذلك من أسباب الملك والسلطان.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) بيان لما فعله بعد أن بلغ مغرب الشمس ومشرقها.
أى : ثم بعد أن بلغ مغرب الشمس ومشرقها ... سار في طريق ثالث معترض بين المشرق والمغرب ، آخذا فيه (حَتَّى إِذا بَلَغَ) في مسيره ذلك (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) أى : الجبلين ، وسمى الجبل سدا ، لأنه سد فجا من الأرض.