الخطر عنهم يكفرون بالله ويدعون الأوثان .. إن هذا لعجيب فإن حالهم متناقضة إذ دعاؤهم الله في الضراء دليل على أنهم يثقون أن النعمة ودفع الأذى منه وحده ، فما بالهم وقد عادوا إلى السراء ، وحلوا بالأوطان يكفرون بالرحمن .. ويعبدون الأوثان؟! أعموا ولم يعلموا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي جعل حرمهم مكان أمن وطمأنينة يأمن فيه الخائف ، ويسكن فيه المضطرب ، ويتخطف الناس من حوله بالسرقة والقتل ، والسلب والنهب.
أعموا ولم يعلموا أن صاحب الفضل في الشدائد الذي أنجاهم من المخاوف هو الله الذي حباهم بالنعمة ، وأسكنهم الحرم الأمين؟ عجبا لهم! أبالباطل وما لا خير فيه بل ما فيه الضرر يؤمنون ، وبنعمة الله وفضله يكفرون؟!
ولما بين الله ـ سبحانه ـ الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة ، والطريق المعوج الموصل إلى النار ، وحذر الناس من اتباعه ، وحثهم على سلوك طريق الحق والنور ، لما بين الله هذا وذاك أمر نبيه أن يقول للناس : لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب. وها أنذا أدعى أنى رسول الله وأن ما أنزل على هو كتاب الله ، وبعضكم كذبني ، ولا يخلو الحال من أمرين لا ثالث لهما : إما أننى كاذب في دعواي وقد افتريت على الله الكذب ، وإما أنكم قد كذبتم بالحق لما جاءكم من عنده ، لكنني معترف بالحساب والجزاء لمن كذب على الله فلا يعقل أن أقدم على ذلك إذا في القرآن الذي نزل على (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) والمتنبي الكاذب كافر بلا شك.
وأما أنتم فقد كذبتموني وكفرتم بالله وباليوم الآخر ، وفي جهنم مثوى القوم الكافرين أمثالكم.
وأما أنتم أيها المؤمنون فلا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ، فإن الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وبأنفسهم أو بما قدروا عليه فالله هاديهم وموفقهم ، وحافظهم وراعيهم ، وهو معهم ، وناهيك بالمعية القدسية ، والقرب من الحضرة العلية ، وذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده ، وربك ذو فضل عظيم.