المنكرون ثم أقسم على ذلك مؤكدا فقال : وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
يا أخى : قف معى عند قوله تعالى : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ، وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ) أليست معجزة القرآن حيث ذكر تفتيت الذرة من أربعة عشر قرنا؟! (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [سورة فصلت آية ٥٣].
لم يكتف الله بالقسم على إتيان يوم الساعة بل ذكر الدليل على ذلك فقال : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بعد قوله : (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ولعل هذا هو السر في اختيار وصف الله بالعلم هنا ، ووجه الدلالة أنهم كانوا يفهمون أن البعث محال لتفتت الأجسام وضياع الأجزاء فكيف يتأتى جمعها بعد تفريقها؟ والله يرد عليهم بأنه عالم يعلم السر وأخفى ، وهو العليم بكل الجزئيات التي في السموات والأرضين ، على أنه حكيم ومن الحكمة أن يجازى المحسن على إحسانه ، ويعاقب المسيء على إساءته ، وأن الدنيا ليست محل جزاء بل هي موضع ابتلاء (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (١) فربك يوم القيامة يجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالجنة ، أولئك البعيدون في درجات الكمال الذين يشار إليهم بالبنان لأنهم آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة من الله ورضوان ، ولهم رزق كريم لا يتبعه من ولا ألم ، وليس صاحبه مهددا بفقر أو موت.
والذين سعوا جاهدين في إبطال آياتنا حالة كونهم معتقدين عجزنا وأننا لن نحيط بأعمالهم ، وفي قراءة (معاجزين) أى : مسابقين الله ، وإن كان هذا مما لا يتصور إلا أن المكذبين بآيات الله لما قدروا في أنفسهم وطمعوا أن كيدهم في الإسلام يتم لهم شبهوا بمن يسابق الله بحسب زعمهم.
والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز ـ وهو أسوأ العذاب ـ أليم غاية الألم ، إذا لا بد من البعث ليأخذ كل جزاءه على ما قدم.
__________________
١ ـ سورة النجم آية ٣١.