وفي أول سورة الأنعام الإشارة إلى نعمة الإيجاد (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) وفي أول الكهف الإشارة إلى الإبقاء (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) ولا تبقى الدنيا بلا قانون وأحكام دستور ونظام ولذا تكلم فيها عن القرآن ، وهنا الإشارة إلى الإعادة والبعث بدليل قوله : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) وفي أول سورة فاطر الإشارة إلى دوام وبقاء الحياة الآخرة (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) والملائكة كلها لا تكون رسلا إلا يوم القيامة (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ).
وسورة الفاتحة جمعت البدء والإعادة معا فقرئت في البدء والختام للقرآن.
المعنى :
الحمد لله حمدا يوازى نعماءه ، ويكافئ فضله ، فهو الله الذي لا إله إلا هو له الحمد المطلق في الأولى ، وله الحمد في الآخرة ، وله وحده الحكم ، وإليه وحده ترجعون ، الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا فهو وحده صاحب النعم ؛ لأنه المالك للكل ؛ فهو إذن المستحق للحمد في الأولى والآخرة ، وهو الحكيم الخبير بكل كائن.
يعلم كل ما يلج في الأرض ويدخل فيها من بذور وماء وثمار وكنوز ودفائن وأجسام ، ويعلم كل ما يخرج منها من نبات وأشجار ، وحيوان ومياه ومعادن وأحجار ، ويعلم ما ينزل من السماء من مطر وثلوج وصواعق وأرزاق وما يعرج فيها ويصعد إليها من الملائكة وأعمال العباد.
وهو مع ذلك كله الغفور الرحيم ، لمن يفرط في واجب الشكر والثناء لصاحب هذه النعم.
ثم بين القرآن أن هذه النعمة التي يستحق بها الحمد وهي نعمة الحياة الآخرة أنكرها قوم وكفروا بها فقال :
وقال الذين كفروا من المشركين وغيرهم الذين ينكرون البعث والحياة الآخرة قالوا لا : لا تأتينا الساعة أبدا. فرد الله عليهم بقوله لنبيه : قل لهم : بلى ستأتيكم أيها