لما بين الله حال المؤمنين الأوابين بذكر قصة داود وسليمان بين هنا حال الكفار الضالين الذين قابلوا النعم بالعصيان ، فكان جزاؤهم الحرمان.
المعنى :
لقد كان لسبأ في مساكنهم باليمن آية وعلامة على قدرة الله التي تحيى الأرض بعد موتها ، والتي تخرج من الحبة شجرة يانعة الثمار ذات قطوف دانية ، وهذه الآية جنتان عن يمين بلدهم وشماله ، وليس المراد بستانين فقط ، بل المراد نوعان من البساتين : نوع عن اليمين وآخر على الشمال ، وبعض العلماء يفسر الآية في قوله : (آية جنتان) بأنها قصة السبئيين وأنهم قوم أنعم الله عليهم بالنعم ثم أعرضوا فأرسل الله عليهم ما أهلكهم وبدد شملهم ، وفي هذا عبرة وعظة فهل من مدكر؟!
والسبئيون قوم سكنوا بلاد اليمن وأسسوا مدنا عظيمة ذات حصون وقلاع وقصور شامخة ، وقد أنعم الله عليهم بالخصب والمطر ، وقد هداهم تفكيرهم إلى إقامة سد عال بين جبلين حجزوا به الماء في الوادي ، وصرفوه بحكمة وهندسة ، فأخصبت أراضيهم ، وزرعوا الزروع ، وأنشأوا الحدائق الفيحاء ذات الثمار الكثيرة ، روى أنه كانت المرأة منهم تسير وسط الحدائق حاملة مكتلها ـ المقطف المصنوع من الخوص ـ فوق رأسها فلا تمضى في السير مدة حتى يمتلئ المكتل من الثمار المتساقطة من الشجر.
اتسعت لديهم النعمة ، وفاض عندهم الخير ، فأكلوا من رزق ربهم ، وتمتعوا بنعمه ، وقيل لهم على ألسنة الرسل : اشكروا ربكم الذي أنعم عليكم!!
وهذه الرقعة من الأرض ـ بلا شك ـ بلدة طيبة الثمار والهواء ، كثيرة الخيرات والبركات ، والمنعم بها عليكم رب غفور ستار يستر الذنوب ، ويعفو عن السيئات. فكان أهل سبأ خلقاء أن يشكروا الله على نعمه ، وأن يحمدوه على ما أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، ورزقهم من الطيبات ، ولكنهم لم يسيروا في الطريق المستقيم بل كذبوا وأعرضوا ، وغرتهم الدنيا بزخارفها وغرهم بالله الغرور ، كذبوا رسلهم وأعرضوا عن نصائحهم ، فأراد ربك أن يذيقهم وبال أمرهم ، وأن يريهم عاقبة كفرهم ليكونوا عبرة لغيرهم ، وآية ناطقة لمن تحدثه نفسه أن يفعل فعلتهم ويسلك مسلكهم ، فأرسل عليهم سيل العرم فتهدم السد ، وتقوض البناء الذي كان يحجز المياه لهم لوقت