يؤمر أب بذبح ابنه فيمتثل الأب والابن (فَلَمَّا أَسْلَما) أى : استسلم الأب ورضى الابن ، إن هذا لعجيب!! وليس بالكثير على إبراهيم الخليل وابنه الصابر صادق الوعد الأمين.
(قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) (١) (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
فلما أسلما وخضعا لله وانقادا لأمره ، وصرع الأب ابنه على الجبين ، وأمرّ السكين على الودجين فلم تقطع ولم تكسر ، وأعادها مرارا فلم تزد إلا كلالا ، وتعجب إبراهيم من هذا ، وضجت ملائكة السماء وأتى الله بالفرج القريب ، فنادى إبراهيم ملك من قبل الحق ـ تبارك وتعالى ـ أى : إبراهيم كفى كفى!! قد صدقت الرؤيا ، وقمت بالواجب عليك وبذلت جهدك ، وأتيت بما في وسعك (قد حققت ما نبهناك عليه ، وفعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك) انتهى من القرطبي.
فلما أسلما وتله للجبين ، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، فديناه بكبش سمين وخلصناهما من الشدة والكرب الشديد ، لما ذا؟ إن ربك يجزى المحسنين جزاء مثل هذا الجزاء ، وقد أحسنا حيث امتثلا الأمر في بذل النفس على صورة رائعة لا يقبلها إلا أولو العزم من الرسل ، إن هذا لهو البلاء المبين ، وأى بلاء أشد من أن تؤمر بذبح وحيدك فتمتثل صابرا محتسبا أجرك عند ربك؟!
وفديناه بذبح عظيم. روى أنه كان كبشا نزل من الجنة فذبحه إبراهيم وهلل وكبر وتركنا عليه في الأمم الآخرة ثناء حسنا وذكرا عاطرا ـ وسلام على إبراهيم ـ مثل ذلك أى : بقاء الذكر العاطر فيما بين الأمم نجزى المحسنين ، وهذا لأنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق حالة كونه نبيا من الصالحين.
ومن هنا شرعت الأضحية في عيد الأضحى ، عيد الفداء ، وذكر إتمام النعمة وظهور كلمة الإسلام ، والقضاء على الشرك والظلم والبهتان ، ولم يكن ذلك كله إلا
__________________
١ ـ ذكروا في هذه أعاريب منها أن ماذا (مركبة) من ما الاستفهامية مفعول مقدم لترى ، وجملة ترى في محل نصب بالنظر ، أو ما استفهام ، و (ذا) اسم موصول (مبتدأ أو خبر) والجملة مفعول مقدم أيضا.