قوى الطبيعة لخدمتكم ، أليس الله القادر على هذا كله بقادر على أن يحيى الموتى؟ بل إنه هو الواحد الأحد ، القادر المنفرد بالألوهية! وانظر إلى تصوير القرآن ذلك التصوير العجيب المستفاد من قوله : (ثم إذا ..) فإن كوننا بشرا يأتى بعد أطوار ذكرت في سورة المؤمنون وغيرها ولذا أتى بثم المفيدة للترتيب والمهلة فإنه بعد أطوار النطفة والعلقة إلى آخر ما مر فاجأ بالبشرية والانتشار.
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [سورة الروم آية ٢١].
نعم من آياته أنه خلق لكم من أنفسكم نساء أنتم وهن سواء في البشرية والآدمية وفي الطباع العامة والغرائز ، خلقهن الله بهذا الوصف لتسكنوا إليهن ، فإن النفس ميالة إلى ما يوافقها ويلائمها ويلتقى معها في الغرض العام ، وهذا معنى قوله : من أنفسكم. والإنسان الذي يجتمع مع المرأة في الحلال يدرك بوضوح معنى السكنى إليها والميل لها ، والهدوء النفسي عند ما يزورها ، ومن هنا سمى المكان الذي يلتقى فيه الرجل بالمرأة سكنا ومسكنا لأن فيه تسكن النفس وتهدأ ، ويطمئن الرجل ، ويستريح من وعثاء الطريق ومشاق الحياة الكادحة ، وفي الحديث «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتّى تصبح».
وجعل بينكم مودة ومحبة ، وصلة روحية قوية قد تفوق في غالب الأحيان صلتك بأقرب الناس إليك ، والشرع الشريف يلاحظ هذا جيدا في تقدير الميراث والنفقات والمخالطة الداخلية ، والإسرار إلى الزوجات بذات الصدور.
وجعل بينكم رحمة وشفقة ، وعطفا عميقا ، ليس مصدره الغريزة الجنسية والاتصال المادي ، بل مبعثه اختلاط الأرواح ، واتصال النفوس ، والاجتماع لغرض واحد وبناء عش الزوجية على أسس كريمة ، ودعائم قويمة (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) [البقرة ١٨٧].
إن ذلك لآيات ناطقة بوحدانية الله ، وقدرته وحكمته. وأنه بصير ، ولكنها آيات لقوم يتفكرون ، لأن الفكر السليم يؤدى إلى الوقوف على تلك المعاني الحية في الحياة الزوجية ، هذه يا أخى الحياة الزوجية الصالحة التي يمتن الله بها على عباده ، أما ما يحدث من بعض الناس فهذا شيء لا يتحمله الدين ، وليس عنوانا على الإسلام.