ومن آياته خلق السموات والأرض : وما فيها من عوالم لا يعلمها إلا خالقها ، ومن آياته كذلك اختلاف ألسنتكم في اللغات واللهجات ، إذ كل سكان العالم من أصل واحد ، ومن أبناء رجل واحد وامرأة واحدة ، فمن الذي أوجد اختلاف اللغات واللهجات؟! إنهم يقولون : إن اللغة في الإنسان نشأت لمحاكاته للأصوات التي يسمعها في بيئته ، وهذا معقول وجميل ، ولكن الذي أودع في الإنسان قوة المحاكاة ، وفي الطبيعة تلك الأصوات المختلفة أليس هو الله؟! ومن هنا تدرك السر في اقتران اختلاف الألسنة والألوان بخلق السموات والأرض.
ومن آياته اختلاف الألوان والاتجاهات والمعاني النفسية والخلقية في كل نفس ، وهذا الاختلاف يكون بين أبناء الرجل الواحد الذين عاشوا في بيئة واحدة.
إن في ذلك كله لآيات للعالمين بأسرار الكون سمائه وأرضه علويه وسفليه ، ونظام الجماعات والأفراد والعلماء بعلوم الاجتماع واللغات والأخلاق ، وليس القرآن يخاطب بذلك الفلاسفة وحدهم. لا بل هو خطاب عام ، ولكن فهم تلك الآيات فهما واسعا دقيقا إنما هو للعلماء ، ولا يمنع أن غيرهم يدرك إدراكا متناسبا مع قواه ، ولعل هذا هو السر في قوله تعالى عند خلق الإنسان وخلق الزوجات .. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وهنا .. قال : للعالمين.
ومن آياته نومكم بالليل والنهار ، وابتغاؤكم من فضله ، وتصرفكم في طلب المعيشة بإرادته ، نعم من آياته النوم بالليل والنهار. ولا شك أن النوم موت أصغر ، وأن هذه الحساسية والتفكير والإدراك تختفى عند النوم الذي يلقى فيه الإنسان بنفسه بين أحضانه فيترك الدنيا ويستريح جزءا من الوقت يكون فيه أشبه بالميت ثم يعود ثانية إلى الحياة نشيطا مجدّا بلا كسل ولا ملل يبتغى من فضل الله ويسعى لجلب الرزق ، فهذه القوى العقلية ، وأجهزة الإدراك أين ذهبت حساسيتها؟ وكيف تعود؟ إن في ذلك لآيات شاهدة على الألوهية ولكن لقوم يسمعون القول فيتبعون أحسنه.
ومن آياته يريكم البرق الخاطف الذي يظهر بين السحب المتراكمة المحملة بالماء والذي يبهر الأنظار ، أى : يجعلكم ترون البرق خائفين من صواعقه وأمطاره الضارة طامعين في خيره وبره ، والله ـ سبحانه ـ هو الذي يعلم الضار والنافع ، وهو الذي