خلق الخلق على أوضاع : فمنهم من يخاف المطر ، ومنهم من يرجوه ، وسبحانه من أودع في كل قلب ما أشغله! وهو ينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يستخدمون عقولهم في إدراك تلك الحقائق الكونية ، وكيف توجد النار وسط السحب ، والنباتات في الأرض القاحلة ، فلا غرابة أن توجد حياة بعد الموت والفناء.
ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ، فهو وحده الذي حكم بهذا ، وهو الذي رفع السماء وبسط الأرض وحملهما بقدرته ، وصيرهما بإرادته وأمره (الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) [سورة الرعد آية ٢].
ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض ، أى : وأنتم فيها ، كما نقول : دعوته من أعلى البيت فنزل إلى .. تجيبون بلا مكث ولا انتظار كما يجيب الداعي الطائع من دعاه ، وليس هنا أطوار ولا انتقالات في الخروج من القبور ، بل بعث بسرعة وبلا مهلة ولذا لم يأت هنا بثم فقال : إذا أنتم تخرجون من قبوركم للبعث والحساب والثواب والعقاب.
وله من في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصريفا ، كل له قانتون ومخلصون في طاعته إن طواعية وإن كرها ، فكيف بكم يا من تنكرون البعث وتستبعدونه ظنّا منكم أن الحياة بعد العدم ونفق الأجزاء ضرب من المحال إنه الذي يبدأ الخلق ثم بعد ذلك يعيده فهو أهون عليه بالنسبة لحكمنا العادي في الأمور العادية ، وأما بالنسبة لله ـ سبحانه وتعالى ـ فكل شيء هين إذ قدرته شاملة ، وله ـ سبحانه وتعالى ـ كل شيء.
وله المثل الأعلى والصفة الكاملة التي تتلخص في وصفه بكل كمال ، وتنزهه عن كل نقص ، وفي أنه لا إله إلا هو في السموات ، والأرض ، وهو العزيز في ملكه لا يعجزه شيء من خلقه ، الحكيم في صنعه ، خلق فسوى وقدر فهدى ، سبحانه هو الله لا شريك له.
والله ـ سبحانه وتعالى ـ قد وصف السموات والأرض على ألسنة الخلق ، وبأقلام الحق ، وبنطق الآيات الكونية فيهما على أنه هو القادر الذي لا يعجزه شيء من بدء وإعادة ، القاهرة فوق عباده لا راد لقضائه ، الحكيم الذي يجرى كل شيء في الكون على مقتضى حكمته ، ووفق علمه وإرادته ، فحقّا : له المثل الأعلى في السموات والأرض.