وَلِقَوْمِكَ) (١) بل الذين كفروا في عزة وشقاق .. وكأن نظم الآيات هكذا : صاد وأقسم بالقرآن ذي الذكر إنه لمعجزة وإنه لحق ، بل الذين كفروا في عزة واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف بالحق ، وهم في شقاق لله ورسوله وخلاف مستمر معهما ، ثم أتبع ذلك بتهديد لهم ووعيد يزلزل كبرياءهم ، ويحطم عزتهم الجوفاء ـ أما العزة الحقيقة المرتكزة على أسس من الحق والعدل والكرامة فلله ولرسوله وللمؤمنين (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) (٢) ـ بقوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) بمعنى : كثيرا من الأمم التي مضت والتي كانت أشد قوة وأكثر مالا وأولادا أهلكهم ربهم لما طغوا وبغوا ، وحينما نزل بهم نادوا واستغاثوا ، ولات الحين حين مناص لهم (٣) ، وليس لهم في هذا الوقت منجى ولا مهرب.
وهذه سيئة من سيئاتهم المتفرعة عن عزتهم الفارغة واستكبارهم بالباطل (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) الآية .. كانوا يرون أن الرسالة تتنافى مع البشرية ، وإذا سلمنا بها فكان الأولى والأجدر أن تنزل على رجل من القريتين عظيم ، فهم عدو رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم أمرا عجيبا خارجا عن نطاق العقل والمألوف فقال الكافرون منهم : هذا ساحر لأنه يأتى بما نعجز عن تفسيره وتعليله ، وكذاب فيما يدعيه ، ويرويه عن رب العالمين.
(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٤) تعجبوا عجبا كثيرا من أن الرسول يقول : إن ربكم الله وحده لا شريك له ، ويصير الآلهة إلها واحدا ، أى : يصيرها ويجعلها في قوله لا في الخارج ، تعجبوا من ذلك لأنه خلاف ما ألفوه ، وقد أعماهم التقليد عن النظر الصحيح والفكر السليم ، فقاسوا الأمور الحية التي هي في مكنة الفرد من الإنسان فرأوا أنه يستحيل عليه القيام بمطالب هذا الكون ، فقالوا بتعدد الآلهة ، وتعجبوا ممن يقول بوحدة الإله.
وروى أنهم اجتمعوا ، أى : الأشراف منهم مع النبي صلىاللهعليهوسلم عند عمه أبى طالب وطالبوه بالكف عن آلهتهم وذمها فرد عليهم النبي صلىاللهعليهوسلم قائلا : إنى أريد منكم كلمة واحدة تدين لكم بها العرب وتخضع لكم بها العجم. فقالوا : وما هي؟ قال : لا إله إلا
__________________
١ ـ سورة الزخرف آية ٤٤.
٢ ـ سورة فاطر آية ١٠.
٣ ـ لات حين : أخذت من (ليس حين) زيدت عليها التاء لتأكيد النفي ، ولا تعمل إلا في زمان ، ويحذف أحد معموليها ، والغالب أن المحذوف هو الاسم.
٤ ـ الاستفهام للإنكار والتعجب.