دينهم ، لأنه ملك له دولة وله سلطان ، وله جيش منظم ، وخيل معدة ، وأمر بإحضارها وإمرارها عليه لينظرها ويبدي رأيه فيها ، وهو لا يحب الخيل لذاتها وإنما يحبها لأمر الله ، وتقوية دينه وتثبيت دعائمه.
ثم لما سارت الخيل أمامه وتم عرضها حتى توارت عنه ، وغابت عن بصره أمر قواده أن يردوها إليه فلما عادت طفق يمسح مسحا بسيقانها وأعناقها ، وإنما فعل ذلك تشريفا لها وتكريما ، وليرى رأيه في الخيل لأنه على علم بها وبعيوبها.
ولقد فتنا سليمان ، فتنة الله أعلم بها ، وألقينا على كرسيه جسدا ، ثم أناب ، وهذه الفتنة تكلم فيها القصاص والإسرائيليون كثيرا ، والذي نختاره ما ذكره أئمة التفسير المحققون من أمثال أبى السعود والفخر والآلوسي وغيرهم من أفاضل العلماء ، وكان مرجع آرائهم إلى القول بعصمة الأنبياء ومنع تمثل الشيطان بهم ، وغلق باب زعزعة الناس في معتقداتهم ، وأظهر ما قيل في فتنة سليمان ـ عليهالسلام ـ ما روى مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه قال : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتى كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى ، ولم يقل (إن شاء الله) فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ، والذي نفسي بيده لو قال : إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون ، هذا الحديث ثابت في الصحيحين البخاري ومسلم ، وروى بعدة طرق ، تلك هي فتنة سليمان كما وردت في الحديث وأما إلقاؤه على كرسيه جسدا فأنه حين الفتنة كان يجلس على كرسي الحكم جسدا لا روح فيه لأنه لما لم يقل : إن شاء الله كأنه ارتكب ذنبا فصار بسببه جسدا ، ثم تاب وأناب.
وأما قول سليمان : رب اغفر لي فلا يصح أن يكون هذا دليلا على صدور الزلة منه كما قال القصاص مستندين إلى أن طلب المغفرة يدل على سبق الذنب.
فالإنسان ولو كان نبيا لا ينفك عن ترك الأفضل والأولى ، وحينئذ يحتاج إلى طلب المغفرة لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، ألم تر إلى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنى لأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة».
وانظر إلى سليمان ، وقد طلب من الله المغفرة قبل طلبه الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، هذا دليل على طلب المغفرة ، والرجوع إلى الله سبيل وطريق إلى السعادة في الدنيا والآخرة (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ