[الحجر ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣]. فإذا سويته ، وأتممت خلقه المادي ، ونفخت فيه من روحي ، والنفخ تمثيل لإفاضة ما به الحياة ، فليس هناك نافخ ولا منفوخ ، وإنما المعنى : فإذا أكملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح الطاهرة التي هي من أمر الله وشأنه فقعوا له ساجدين سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة وتأليه.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، و (كل) للإحاطة ، و (أجمع) للاجتماع إلا إبليس اللعين فإنه أبى واستكبر واستعظم ولم يكن من الساجدين ، وكان من الكافرين المستكبرين المتعاظمين على أمر الله.
وماذا قال الله له عند ذلك؟ قال ـ عزوجل ـ على سبيل الإنكار والتوبيخ :
يا إبليس أى شيء منعك من السجود لما خلقته بيدي؟ ما الذي منعك من السجود لآدم وقد خلقته بيدي ، وصنعته بنفسي ، وقولك : فعلت هذا بيدي مثلا ، وصنعته بنفسي : تمثيل لكونك معنيا بفعله عناية تامة.
يا إبليس أستكبرت أم كنت من العالين ..؟! أى : أتكبرت ادعاء من غير استحقاق أم كنت من العالين المستحقين لذلك؟ والمراد إنكار هذا وذاك.
وقال إبليس مدفوعا بطبعه المفهوم من طبيعة النار التي خلق منها ـ فإن طبعها الحماقة والاندفاع والتعالي والإضرار ـ قال إبليس : أنا خير منه ، لأنك خلقتني من نار وخلقته من طين.
قال الله له ـ ردّا على عمله القبيح ـ : فاخرج من الجنة فإنك رجيم مطرود من كل خير وبركة ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين.
قال إبليس : إذا جعلتني يا رب رجيما مطرودا من رحمتك فأنظرنى وأمهلنى إلى يوم يبعثون عند النفخة الثانية ، فلا تمتنى في الدنيا بل أمهلنى مع آدم وذريته إلى يوم البعث ، طلب هذا الطلب ليظل يوسوس لآدم وذريته فيأخذ ثأره من آدم فإنه هو السبب في طرده من رحمة الله ، فاتعظوا يا بنى آدم واحذروا ..
قال الله ـ سبحانه ـ : إنك من المنظرين إلى ذلك اليوم المعلوم ، وهكذا اقتضت إرادة الله أن يظل إبليس وجنده في وضع يتمكن معه من الوسوسة.