في البدن ظاهرا وباطنا دائما لا رجوع فيه ، وتوفيها حين النوم قطع للتصرف فيه ظاهرا فقط ، وإلى وقت محدود ، ثم تعود الروح بعده إلى الجسم كما كانت. وتظل معه إلى أجل معلوم محدود الله يعلمه ، وهذا معنى قوله تعالى : (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).
فالنوم ـ كما يقولون ـ موت أصغر ، والموت نوم أكبر ، والأمر كله لله ، وما أشبه النوم والموت بجهالة المشركين ، وما أشبه الحياة واليقظة بنور الإسلام وهدى القرآن ، والكل من الله ـ سبحانه ـ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون بعقولهم فلا يحيلون البعث بعد الموت ، فيها أنت إذ تصحو بعد النوم ، وتحيا بعد الموت في كل يوم مرة أو مرتين «لتموتنّ كما تنامون ، ولتبعثنّ كما تستيقظون» ، وكان الكفار إذا لزمتهم الحجة ، وانقطع بهم السبيل قالوا ـ وبئس ما قالوا ـ : الله خالق كل شيء هو الحكيم العليم ، وهذه الأصنام نبعدها لأنها تشفع لنا وتقربنا من ربنا! عجبا لهؤلاء! بل اتخذوا من دون الله شفعاء لهم ، يشفعون عند ربهم بدون إذنه ولا علمه؟! قل لهم يا محمد : أيشفعون والحال أنهم لا يملكون شيئا ولا يعقلون؟ عجبا لكم أتتخذونهم شفعاء ولو كانوا لا يملكون شيئا من الأشياء فضلا عن أن يملكوا الشفاعة عند الله ـ تعالى ـ وهم لا يعقلون.
قل لهم : لله الشفاعة جميعا ، فلن يستطيع أحد أن يشفع إلا بإذنه ، والسبب في هذا أنه له وحده الملك التام للسموات والأرض ، ثم إليه وحده الأمر والمصير يوم القيامة ، فاحذروا عقابه وارجوا ثوابه.
وتلك سيئة من سيئاتهم التي لا تحصى إذا ذكر الله مفردا عن الآلهة اشمأزت قلوب المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وامتلأت قلوبهم غيظا وغما حتى يظهر ذلك في وجوههم (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) [الإسراء ٤٦].
وإذا ذكر الذين من دونه من الآلهة إذا هم يستبشرون ، أى : فاجأهم وقت الاستبشار.
ولما ذكر عنهم هذا الأمر العجيب الذي تشهد بدائه العقول ببطلانه أردفه بأمرين أحدهما دعاء الله مع وصفه بالقدرة التامة والعلم الشامل ، ثم قول النبي صلىاللهعليهوسلم : أنت